الشاعر والمفكر عبد الله البردوني
لا تـسألي يـا أخت أين مجالي؟
أنا في التراب وفي السماء خيالي
لا تـسأليني أيـن أغـلالي سلي
صـمتي وإطراقي عن الأغلال؟
أشـواق روحي في السماء وإنما
قـدماي فـي الأصفاد والأوحال
وتـوهمي فـي كـل أفـقٍ سابحٌ
وأنـا هـنا في الصمت كالتمثال
أشـكو جـراحاتي إلى ظلي كما
يـشكو الحزين إلى الخلي السّالي
***
والـليل من حولي يضج وينطوي
فـي صـمته كـالظالمِ المتعالي
يـسري وفـي طـفراته ووقاره
كـسل الـشيوخ وخـفة الأطفال
وتـخـاله يـنساقُ وهـو مـقيدٌ
فـتحسه فـي الـدرب كالزلزال
وأنـا هنا أصغي وأسمع من هنا
خـفقات أشـباحٍ مـن الأهـوال
ورؤىً كـألسنةِ الأفـاعي حـوّما
ومـخـاوفا كـعـداوة الأنـذال
وأحـسُ قـدّامي ضـجيج مراقدٍ
وتــثـاؤبَ الآبـــادِ والآزال
وتـنـهّدا قـلـقا كــأن وراءه
صـخب الـحياة وضجة الأجيال
والـطيف يـصغي لـلفراغ كأنه
لـصٌ يـصيخُ إلى المكان الخالي
وكـأنه «الأعـشى» يناجي «ميّةً»
ويـلملم الـذكرى مـن الأطلال
والـشهب أغـنية يرقرقها الدجى
فـي أفـقه كـالجدول الـسلسال
والـوهم يـحد والذكريات كمدلجٍ
يـحدو الـقوافل في بساطِ رمال
والـرعب يهوي مثلما تهوي على
سـاح الـقتال جـماجمُ الأبطال
***
وهـنا تـرقبت انـهياريَ مـثلما
يـترقب الـهدم الـجدار الـبالي
وسألت جرحي هل ينام ضجيجه؟
وأمَـرّ مـن ردّ الجواب سؤالي!
وأشـدّ مـما خـفت منه تخوّفي
وأشـقّ من وعر الطريق كلالي!
وأخسّ من ضعفي غروري بالمنى
واليأس يضحك كالعجوز حيالي!
وأمُـضّ من يأسي شعوري أنني
حــيّ الـشهية، مـيّت الآمـال
أسـري كـقافلة الظنون وأجتدي
شـبح الـظلام وأهتدي بضلالي
وأسـير في الدرب الملفّح بالدجى
وكـأنـني أجـتاز سـاحَ قـتال
وأتـيه والـحمّى تولول في دمي
وتـرتل الـرعشات في أوصالي
***
لا تسأليني عن مجالي في الثرى
جسدي وروحي في الفضاء العالي
وسـألتها ما الأرض؟ قالت: إنها
فـلوات أوحـاشٍ وروض صِلال
إن كـنت مـحتالا قطفت ثمارها
أولا: فـإنـك فـرصة الـمحتال
وأنـا هـنا أشقى وأجهل شقوتي
وأبـيع فـي سوق الفجور جمالي
***
والـعمر مـشكلة ونـحن نزيدها
بـالـحل إشـكالا إلـى إشـكال
لا حُر في الدنيا فذو السلطان في
دنـياه عـبد الـمجد والأشـغال
والـكادح الـمحروم عـبد حنينه
فـيها وربّ الـمال عـبد الـمال
والـفارغ الـمكسال عـبد فراغه
والـسفر عـبد الـحل والترحال
والـلص عـبد الليل والدّجال في
دنـيـاه عـبـد نـفاقه الـدّجال
لا حـر فـي الـدنيا ولا حـريةٌ
إن الـتـحرر خـدعة الأقـوال
الـناس فـي الـدنيا عبيد حياتهم
أبـدا عـبيد الـموت والآجـال
***
وسـألتها: مـا الموت؟ قالت: إنه
شـطّ الـخِضِمِّ الـهائج الصّوّال
وسـكونه الحاني مصير مصائرٍ
وهـدوؤه دعـةٌ وعـمق جـلال
مـالي أحـاذره وأخـشى قـوله
وأنــا أجـرّ وراءه أذيـالي؟!
أنـساق فـي عـمري إليه مثلما
تـنساق أيّـامي إلـى الآصـال
***
وسـألتها، فرنت وقالت: لا تسل
دعـني من المفضول والمفضال!
اُسـكت! فليس الموت سوقا عنده
عـمر بـلا ثـمنٍ وعمر غالي!!
تعليقات
إرسال تعليق