المثقف السياسي والسلطة
أحمد الحناكي
من وجهة نظري في العلاقة الملتبسة ما بين المثقف وصانع القرار أو الوزير وصانع القرار أو غيرهم، وتأثير ذلك في القرارات، أن «الطباخ» الحقيقي هو قطعاً ليس السلطان، وبالتالي فلا نضع عليه اللوم بالمحصلة النهائية.
الفكرة أعلاه تنطبق على الحكم الديموقراطي أو غير الديموقراطي، فمهما كانت قدرات الحاكم فهو لا يستطيع الإلمام بكل ما يحدث في الوطن، على اعتبار أن كل قضية تحتاج لفريق بحد ذاتها، ونعرف يقيناً أن ما فعله الصحابة والخلفاء كعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، ولاحقاً عمر بن عبدالعزيز حدث في وقت كان فيه الناس يعرفون عن بعض كل شيء تقريباً، إذ البيوت قليلة ومتجاورة.
طبعاً هذا لا ينفي المسؤولية عن الحاكم، فهو يتحمل المسؤولية النهائية من حيث اختياراته لفريقه الذي يعمل تحت إمرته.
هذا ينقلنا إلى ما يكتبه المحللون السياسيون الخليجيون، إذ إن أغلبهم يكتب ما يراه إرضاءً أو تملقاً لولي الأمر وهو برأيي خطأ شنيع، فكل الحكام مهما كانت أفكارهم يودون لو تنتهي مشكلاتهم ومشكلات مواطنيهم من دون تضحيات جسيمة.
على سبيل المثال لا الحصر، ما يحدث في العراق وسورية أصبح الحديث الآن علناً في أن المسألة هي صراع سني - طائفي، وهو أمر تنفيه وقائع عدة، فتركيا التي تهدد بالتدخل في الموصل إذا تدخل الحشد الشعبي لا يهمها موضوع الطائفية وليست هي في الأساس طائفية، لكن ما يشغل بال الأتراك هو الأكراد، فالذي تخشى منه تركيا أن يكونوا دولة على حدودها المتاخمة فيه، وهم من يعانون من الأتراك الكرديين، أو بالأصح الأكراد يعانون منهم.
الطريف أن هناك تضارب مصالح بين إيران وتركيا في سورية والعراق، لكنهم يتحدون فجأة، بل ويصبحون كتلة واحدة عندما يتعلق الأمر بالكرد، فكلهم ضد كيان كردي موحد.
حقيقة لا أميل مطلقاً إلى الفكرة القائلة إن هناك تآمراً دولياً لتغيير ديموغرافي في الموصل، بحيث يتم سحل وتهجير أهل السنة، ففي هذا تخوين للعراقيين الذين أثبتوا تاريخياً أنهم أبعد ما يكونون عن الطائفية، عدا أن تجربتهم مع تحرير الفلوجة أثبتت ذلك، ليس ذلك فحسب، فداعش في الموصل تباهي بوحشيتها وتخلفها، وبالتالي فمهما كانت بشاعة المحرِّر لن تكون أسوأ من المحتل.
الجانب الآخر المهم هو أن ما يحدث في العراق شأن داخلي محض، ومهما كانت التحفظات على بعض الممارسات وبالذات في عهد نوري المالكي البائس، إلا أنه من حق العراقيين أن ينفروا من التدخلات الخارجية بشكل عام، عدا ما طلبته بنفسها من خلال معاهدات دولية.
مقارنة الحشد الشعبي أو حتى حزب الله بداعش غير منطقية، فالأخيرة لا تعترف بحكومة غير الخلافة التي تتبناها، وهو منهج مقتبس من الخلافة الإسلامية بشكل قبيح فج، ناهيك أن ممارسات القتل الوحشي غير المبرر تجري على قدم وساق، وعلى كل حال حيّد العراقيون الحشد الشعبي من دخول المعركة تجنباً لإعطاء الأتراك فرصة للتدخل في سير المعارك في الموصل.
عودةً للعنوان أعلاه، فدور المثقف السياسي هو تنبيه الحاكم إلى مخاطر الحروب وتحذيره، بدلاً من اعتبار الحروب مجرد نزهة، فهل يفعل ذلك؟! الحقيقة، أن خيبة أمل كبيرة تصيب من يراقب ما يحدث في عالمنا العربي اليوم.
صحيح أن سياسة أميركا الخارجية منذ 2003 لعبت دوراً كبيراً في عملية «فرّق تسد» بعد احتلالها العراق «مطعِمة» العراقيين بداء الطائفية، إلا أن بعض الأحزاب المتطرفة المتناثرة من الطرفين هللت مكرسة لذلك، على رغم وجود قوى شريفة من الطرفين أيضاً ترفض ما يمس الوحدة العراقية.
هل يجب أن نقلق في الخليج العربي؟ في المملكة أشعر بالفخر بأبناء هذا الوطن، فلحمته تطغى فوق الطائفية، ومن يشاهد مجالس العزاء والمعزين من المناطق المختلفة يدرك أن هذا الشعب أوعى بكثير من شطحات بعض من محلليه.
تعليقات
إرسال تعليق