عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فتح مصر التاريخ الإسلامي

فتح مصر

مقالة مفصلةالفتح الإسلامي لمصر

كثرت الأقوال حول السنة التي فتحت فيها مصر، فوردت في كتب التاريخ سنوات 16 و 20 و 21 و 22 و 25 هـ، وقد كان ذلك عندما سمح عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص بالتوجه إلى مصر بعد انتهائه من فتح الشام، وذلك بعد إلحاح طويل من عمرو. ودخل عمرو مصرعلى رأس 4,000 رجل، فكان أول ما فتحه هو حصن الفرما بعد حصار دام شهراً، ونفس الأمر في بلبيس، ثم سار إلى أم دنين بعد أن أمده عمر بأربعة آلاف آخرين، وانتصر قربها في معركة عين شمس. ثم سار إلى حصن بابليون، أقوى الحصون الحدودية في مصر آنذاك، وفرض عليه حصاراً دام نصف سنة كاملة. وأخيراً وبعد أن تسلق الأسوار الزبير بن العوام، وفتح الحصن من الداخل تمكن المسلمون من دخوله، وفُتِحَ حصن بابليون. وبعد فتح الحصن بنى المسلمون مدينة الفسطاط قربه. ثم سار عمرو إلى الإسكندرية، وفرض عليها حصاراً دام ثلاثة شهور حتى فٌتِحَت عنوة، وبفتح الإسكندرية كان قد تمَّ فتح مصر، ووليها عمرو ثم عبد الله بن سعد بن أبي السرح من بعده.

فتح برقة وطرابلس الغرب

بعد أن أتمَّ عمرو بن العاص فتح الإسكندرية سار إلى إقليم برقة، الواقع اليوم شرق ليبيا. وأرسل بداية عقبة بن نافع ليستطلع الأوضاع ويعطيه تقريراً عن المنطقة، ثم فتح برقة بسهولة وسرعة، وصالح أهلها على جزية يدفعونها له مقدارها 13,000 دينار، وكان ذلك في سنة 22 هـ. ثمَّ فرَّق عمرو قواته وأرسلهم إلى مختلفة أجزاء برقة ومحيطها، فأرسل عبد الله بن الزبير إلى مصراتة وعقبة بن نافع إلى زويلة (ثم عينه قائداً لحامية برقة) وبسر بن أرطاة إلى ودان، فنجحوا في فتح كل هذه المدن.وأخيراً سار عمرو إلى طرابلس الغرب وحاصرها لمدة شهر، غير أنه لم يتمكن من فتحها، حتى تمكن بعض جنوده من اقتحام المدينة، ففرَّ الروم إلى سفنهم للهرب، ودخل جيشه المدينة وفتحها. وفتحت معها المناطق المحيطة بها مثل غريان والزاوية وسائر جبل نفوسة. وبعد طرابلس سار عمرو إلى سبرة، ففتحها هي الأخرى، وتم بذلك فتح ليبيا. غير أن عمر لم يأذن له بالسير أكثر حتى إفريقية، فعاد عمرو إلى مصر.

إدارة الدولة

يُعتبر عمر بن الخطاب أحد عباقرة السياسة والإدارة في التاريخ الإسلاميخصوصًا والعالمي عمومًا. فقد اتسعت حدود الدولة الإسلامية خلال عهده اتساعًا عظيمًا جعله يُقدم على إنشاء تنظيم إداري فعّال لابقائها متماسكة وموحدة، وقد استتبع هذا الأمر تنظيم وإنشاء عدّة مرافق مهمة لم تعرفها العرب من قبل، أو عرفتها ولكن على نحو ضيّق بسبب طبيعة حياة الناس داخل شبه الجزيرة قبل الفتوح الإسلامية. ومن مآثر عمر بن الخطاب الأخرى توسيعه وترميمه للمسجد الحرام في مكة والمسجد النبويفي المدينة المنورة، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج بعد أن اعتنق الكثير من رعايا الشام والعراق ومصر وغيرها الإسلام.

التنظيمات السياسية والإدارية

اتسعت أقاليم الدولة الإسلامية الأولى، نتيجة انتشار المسلمين في الأقاليم المتاخمة لشبه الجزيرة العربية، لذلك عمد عمر بن الخطاب إلى تقسيم الأمصار المفتوحة إلى خمس مناطق كبيرة تنقسم بدورها إلى ولايات، وهي: العراق (الأحواز، الكوفة، البصرة)، فارس (سجستان ومكران وكرمان،طبرستان، خراسان)، الشام (قسم قاعدته حمص، وقسم قاعدته دمشقفلسطين (قسم قاعدته أيلة وقسم قادته الرملة)، أفريقية (صعيد مصر، مصر السفلى، غرب مصر، وصحراء ليبيا). أما في شبه الجزيرة العربية فأبقى على تقسيمها كما فعل أبو بكر الصديق، واستمرت تضم اثنتي عشر ولاية، هي: مكة المكرمة، المدينة المنورة، الطائف، صنعاء، حضرموت، خولان،زبيد، مرقع، الجند، نجران، جرش، والبحرين. كما قسّم الخليفة ولايات الشام إلى مقاطعات عدة دُعي كل منها جُندًا، وهي: جند قنسرين، جند دمشق، جند حمص، جند الأردن، وجند فلسطين. وكان عمر يختار لكلِّ إقليم واليًا، وكان يختارهم ممن يَتَوَسَّم فيهم الصلاح والمقْدرة على إدارة شؤون الولاية، والقِيام بالمهام المُلْقاة على عواتقِهم. وكان عمر يوصِي أولئك الوُلاةَ بحُسْن معامَلة الرعية، والرِّفْق بهم، وعدم تكْليفهم فوق طاقتهم، ويحملهم مسؤولية تطْبيق شرائع الإسلام وسُننه؛ فقال مُوَضِّحًا واجباتِهم: «أيُّها الناس، إنِّي والله ما أرسل إليكم عمَّالاً ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أعْشاركم؛ ولكن أرسلهم ليعلِّموكم دينكم وسُننكم، فمَن فُعل به شيءٌ سوى ذلك، فليرفعه إليَّ، فوالَّذي نفس عمر بيده، لأقتصّنَّ له منه». كذلك كان لعمر مُفوَّضون رسميُّون يسافِرُون إلى الأمصار، ويراجعون أعمال الوُلاة، وكان على رأس أولئك المفتِّشين محمد بن مسلمة، وهو رجلٌ حازم فائق الأمانة. وحرصًا منه على استقرار الوُلاة، وعدم انشغالهم بأمْرٍ غير الولاية؛ فقد أجْرى عليهم مرتباتٍ من شأنِها أن تعينَهم على التفرُّغ لعَمَلِهم المنوط بهم، ومثال ذلك: أنه أجْرى على عمار - والي الكوفة - ستمائة درهم، له ولكاتبه ومؤذِّنيه كلَّ شهر، وأجْرى على عثمان بن حنيف رُبع شاة وخمسة دراهم كل يوم، مع عطائه - وكان خمسةَ آلاف درهم - وأجْرى علىعبد الله بن مسعود مائة درهم في كل شهر وربع شاة كل يوم.

يُشير بعض المؤرخين إلى أن عمر بن الخطاب اتبع نظام المركزية الإداريةفي حكمه للدولة الإسلامية، أي أن حكومته المركزية القائمة في المدينة المنورة كانت تقوم وحدها بالوظيفة الإدارية، دون مشاطرة الهيئات الأخرى لها في ذلك. فقيل أن ظروف الدولة الإسلامية في عهد عمر فرضت أسلوبَ المركزية في الحكم؛ بل إن عمر قد سلك أسلوبًا مركزيًّا متطرِّفًا، يكاد لا يوجد له مثيل في التاريخ. وأن هيمنته في العاصمة لم تتوقف على الأمور العسكرية فحسب؛ بل امتدَّت إلى الشؤون المدنيَّة، ومن ذلك استئذان المسلمين الخليفةَ في طريقة بناء المساكن في المدن الجديدة، وحرص الخليفة على أن يُحاط علمًا بأقاليم الدولة التي لم يذهب إليها.وقد ردّ باحثون آخرون على هذا الرأي بقولهم أن كتب السيرة والتاريخ كما حفظت كتبًا يوجِّه بها عمر عمَّاله وقُواده، ويتابع أعمالهم - فقد حفظت كذلك آثارًا يفوِّض فيها عمرُ الرأيَ لعمَّاله وقواده؛ لكي يتصرفوا في مواجهة المواقف، بما تقتضيه هذه المواقف. ومن ذلك قوله لمحمد بن مسلمة:«إن أكمل الرجال رأيًا مَن إذا لم يكن عنده عهْد من صاحبه، عمل بالحزم، أو قال به»، وقوله لمعاوية بن أبي سفيان حين بيَّن له أسباب اتِّخاذه مظاهرَ الملك: «لا آمرك ولا أنهاك»، وردُّه على أبي عبيدة حين استشاره في دخول الدروب خلف العدو بقوله: «أنت الشاهد وأنا الغائب، وأنت بحضرة عدوِّك، وعيونُك يأتونك بالأخبار»، إلى غير ذلك من النصوص التي تدلُّ على أن عمر بن الخطاب كان ينتهج المنهج اللامركزي في الإدارة، وليس معنى ذلك أنه قد رفع يده كلية عن الولايات الأخرى؛ بل إن من حقه وواجبه الإشرافَ على هذه الولايات ومراقبتها في الحدود الشرعية.

نقود فارسية من الطراز الذي كان شائعًا في خلافة عمر بن الخطاب. نُقشت على هذه النقود صورة آخر أكاسرة الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وأضاف عمرُ نقش البسملة عليها.

نشأت الدواوين في عهد عمر بن الخطاب نتيجة لاتساع الدولة الإسلامية، واتصال المسلمين الفاتحين عن قرب بالأنظمة الفارسية والبيزنطية في الأقاليم والتعرف على حضارتها، فانتقوا من بين ذلك ما وجدوه ملائمًا للاقتباس، كما أبقوا على الكثير من الأنظمة الإدارية التي ثبت لهم صلاحيتها لتلك البلاد. وقد اخْتُلف في تحديد نشأة الديوان؛ فيحددهالطبري بالعام الخامس عشر للهجرة، بينما يذكره الماوردي في الأحكام السلطانية في العام العشرين. ومن الدواوين التي أوجدها عمر: ديوان الإنشاء، وهو ديوان الرسائل، ليكون بذلك أوّل من وضع هذا الديوان في الإسلام، ثم أنشأ ديوان العطاء وديوان الجند الذي سجَّل فيه أسماء المقاتلين، ووجهتهم، ومقدار أعطياتهم وأرزاقهم، وديوان الجباية الهادف إلى إحصاء خراج البلاد المفتوحة، وتنظيم الإنفاق في الوجوه التي يجب الإنفاق فيها، وذلك بعد أن وردت الأموال الكثيرة إلى المدينة المنورة مركز الدولة الإسلامية بعد فتح الشام والعراق، فأشار خالد بن الوليد وقيل الهرمزان وقيل الوليد بن هشام بن المغيرة بإنشاء مثل هذه الدواوين لإحصاء الأموال وطريقة توزيعها. وكان ذلك تمهيدًا لإنشاء "بيت المال" أو "ديوان الأموال" الذي يمكن اعتباره بمثابة أول وزارة للمال في الإسلام. وقد اهتمَّ عمر بالأموال الواردة للدولة، وكان حريصًا جدًّا على المحافظة عليها، وإعطائها لمستحقيها، وقد كان يتعامل معها كما يتعامل والي اليتيم مع ماله، فلا يأخذ منه إلا كما يأخذ أدنى رجل من المسلمين. وأبقى عمر على النقود الذهبية والفضية التي كانت متداولة وعليها نقوش مسيحية أو فارسية، لكنه أضاف إلى هذه النقود البيزنطية والفارسية كلمة "جائز" ليميزها عن النقود الزائفة. ومع ذلك يعتبر عمر أول من ضرب النقود في الإسلام سنة 639م، الموافقة لسنة 18 هـ، معتمدًا النقش الفارسي وأضاف إليها "الحمد لله" وفي بعضها "لا إله إلا الله" وعلى جزء منها اسم "عمر".

كان البريد موجودًا منذ تأسيس الدولة في المدينة المنورة، حيث كان النبي محمد يبعث الرسل إلى الملوك والأمراء ومعهم الكتب ممهورة بخاتمه. وقد رتّب عمر البريد بعد أن اتسعت هذه الدولة ليسهل عملية الاتصال بين المدينة المنورة والعمال وقادة الجيش في العراق وفارس والشام ومصر، فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام يحثه على استعمال النار في الإشارات لنقل الرسائل والأخبار وإقامة الحرس على مناظرها واتخاذ المواقد لها. وقسّم الطرق إلى محطات بريدية بين الواحدة والأخرى مسافة اثني عشر ميلاً، وفي كل منها الحرس والزاد والماء.

أما الخطوة الأخيرة في تنظيمات عمر بن الخطاب الإدارية، فكانت تكريسنظام الشورى، عملاً بالأمر الديني في القرآن: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، و﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾، والتي كانت دعوة صريحة لالتزام المشورة. وفيالحديث النبوي: «اسْتَشِرْ، فَإِنَّ الْمُسْتَشِيرَ مُعَانٌ، وَالْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ»،و«مَا سَعِدَ أَحَدٌ بِرَأْيِهِ وَلا شَقِيَ مَعَ مَشُورَةٍ»، و«مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم». لذلك تمسك عمر بن الخطاب بمبدأ الشورى، وفي ذلك يقول: "لا خير في أمر أُبرم من غير شورى"، واتبع القرآن والسنة النبوية في ذلك، فأبقى إلى جانبه كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار يستشيرهم في كل مسألة لا يوجد فيها نص أو حديث. وعلى هذا الأساس منع هؤلاء الصحابة من مغادرة المدينة المنورة إلا بإذن وبأجل محدد، وذلك ليتمكن من استشارتهم ولمساندته في دعم نظام الحكم القائم أساسًا على الشورى. وكان عمر يستشير الرجال، وكان أيضًا يستشير النساء، حيث كان يقدمالشفاء بنت عبد الله العدوية في الرأي، ويرضى عن رأيها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4- قبائل تشترك مع الزرانيق في الأرض و التاريخ و المعتقد و الفلكلور و العادات و التقاليد و ارتضت الانضواء في الاتحاد الكونفدرالي " الزرانيق " لأغراض الحماية و المكاسب الاقتصادية