أبو عبدالله عثمان ابن عفان رضي الله عنه التاريخ الإسلامي
إدارة الدولة
الشؤون المالية
نقود فارسية من الطراز الذي كان شائعًا أثناء خلافة عمر وعثمان. نُقشت على هذه النقود صورة آخر أكاسرة الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وقد تم إضافة نقش البسملة عليها.
لما تولى عثمان الخلافة لم يغير من سياسة عمر المالية، وإن كان قد سمح للمسلمين باقتناء الثروات وتشييد القصور وامتلاك المساحات الكبيرة من الأراضي، فقد كان عهده عهد رخاء على المسلمين. كما أنه وجه كتاباً إلى الولاة وكتابا آخر إلى عمال الخراج، وأذاع كتاباً على العامة، وكانت عناصر السياسة المالية العامة التي أعلنها الخليفة قد قامت على الأسس العامة التالية:
تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية.عدم إخلال الجباية بالرعاية.أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين.إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين.أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق، وإعطاؤهم ما لهم، وعدم ظلمهم.تخلق عمال الخراج بالأمانة والوفاء.تفادي أية انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة.
الولاية والولايات
حينما تولى عثمان الخلافة في بداية سنة 24 هـ، أقر الولاة الذين قد تم تعيينهم من قِبل عمر بن الخطاب في ولاياتهم عاماً كاملاً، بعد ذلك أبقى البعض وعزل آخرين، وعمل على التعيين في هذه الأمصار حسب الحاجة وذلك بعد الأخذ بمشورة الصحابة. في عهده قام بضم بعض الولايات إلى بعضها لما يراه في مصلحة المسلمين، فقد ضم البحرين إلى البصرة، كما ضم بعض ولايات الشام إلى بعضها الآخر نتيجة لوفاة بعض الولاة أو طلب البعض منهم الإعفاء من العمل. وقد كان دائم النصح لولاته بالعدل والرحمة بين الناس، كما أنه حدد لهم معالم السياسة التي يجب أن يعملوا بها، من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وبالوفاء حتى مع الأعداء، وأن لا يكون همهم جباية المال. كان يكتب إلى عماله ببعض التعليمات في الأمور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم للولايات، إضافة إلى كتبه للعامة والتي كان يصدر فيها تعليمات محددة يلتزم بها الجميع، ومن ذلك إلزامه الناس في الولايات بالمصاحف التي كتبت في المدينة على ملأ من الصحابة. كان حريصاً على أن يتنافس الأمراء فيما بينهم في الجهاد وفتح بلدان جديدة. كان يشترط أحياناً بعض الشروط على الولاة ليضمن أن تصرفهم في صالح المسلمين.
وقد كان من الولاة الذين تم تعييهم على ولايات الدولة الإسلامية:
المزيد من المعلومات: الولايات في عهد عثمان بن عفان, الولاية ...
القضاء
عندما تولى عثمان الخلافة كان على قضاء المدينة علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، والسائب بن يزيد. ويذكر البعض أن عثمان لم يترك للقضاة الاستقلال بالفصل في القضايا، كما كان الحال في عهد عمر، بل كان ينظر في الخصومات بنفسه، ويستشير هؤلاء وغيرهم من الصحابة فيما يحكم به، فإن وافق رأيهم رأيَه أمضاه، وإن لم يوافق رأيهم رأيه نظر في الأمر بعد ذلك. وهذا يعني أن عثمان قد أعفى القضاة الثلاثة في المدينة من ولاية القضاء وأبقاهم مستشارين له في كل شجار يرفع إليه مع استشارة آخرين، ويرى بعضهم أنه لم يثبت نص صريح يفيد الإعفاء، ولكنه تحمل عنهم النظر في كثير من القضايا الكبيرة مع استشارتهم فيها.
تذكر بعض الكتب أن من مآثر ذي النورين اتخاذه داراً للقضاء، وقد جاء ذلك في رواية رواها ابن عساكر عن أبي صالح مولى العباس قال: أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه فأتيته في دار القضاء إلى آخر الحديث، فإذا صح فيكون عثمان هو أول من اتخذ دارا للقضاء في الإسلام، لأن من سبقه كان يتخذ المسجد كمكان للقضاء. وكان قد ترك أحكاماً فقهية في مجال القصاص والجنايات والحدود والتعزير والعبادات والمعاملات.
أشهر القضاة في خلافة عثمانزيد بن ثابت - المدينة.أبو الدرداء الأنصاري - دمشق.كعب بن سور الأزدي - البصرة.أبو موسى الأشعري - البصرة، (بالإضافة إلى ولايته).شريح القاضي - الكوفة.يعلى بن أمية - اليمن.ثمامة - صنعاء.عثمان بن قيس بن أبي العاص - مصر.
جمع القرآن
مقالات مفصلة: جمع القرآن مصحف عثمان
في عهده انتشر الإسلام في بلاد كبيرة وتفرق الصحابة مما أدى إلى ظهور قراءات متعددة وانتشرت لهجات مختلفة فكان الخوف من اختلاف كتابةالقرآن وتغير لهجته، فجمع عثمان المسلمين على لغة قريش أي لهجة قريش وهي لهجة العرب.
عن أنس بن مالك: «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق».
جمع عثمان المهاجرين والأنصار وشاورهم في الأمر، وفيهم عدد من أعلام وعلماء الصحابة، وفي طليعتهم علي بن أبي طالب. وعرض عثمان هذه المسألة وناقشهم فيها فأجابوه إلى رأيه، وظهر للناس في أرجاء الأرض ما انعقد عليه إجماعهم، فلم يعرف يومئذ لهم مخالف.
مصحف عثمان أو المصحف الإمام، أقدم المصاحف الباقية.
قال ابن التين: «الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشيته أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حملته. لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبًا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي. وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك إلى تخطئة بعضهم البعض، فخشى من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبًا لسوره، واقتصر في سائر اللغات على لغة قريش محتجاً بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءاته بلغة غيرهم، دفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة قد انتهت، فاقتصر على لغة واحدة».
لما فرغ عثمان من جمع المصاحف أرسل إلى كل أفق بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسله إلى الآفاق، وقد اختلفوا في عدد المصاحف التي فرقها في الأمصار، فقيل: إنها أربعة وهو الذي اتفق عليه أكثر العلماء، وقيل إنها خمسة، وقيل إنها ستة، وقيل إنها سبعة، وقيل إنها ثمانية. وأما كونها ثمانية، فإن الثامن كان لعثمان يقرأ فيه، وهو الذي قتل وهو بين يديه.
الفتوحات في عهد عثمان بن عفان
الدولة الإسلامية في ذروة اتساعها خلال عهد عثمان.
في خلافة عثمان فتحت العديد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فقد فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقيةوقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.
بعد مقتل عمر بن الخطاب تشجع أعداء الإسلام وخصوصا في بلاد الفرسوالروم إلى العمل على استرداد السيطرة في تلك البلاد، فبدأ يزدجرد ملك الفرس يخطط في العاصمة التي يقيم فيها وهي مدينة فرغنة عاصمةسمرقند، وأما زعماء الروم فقد تركوا بلاد الشام وانتقلوا إلى القسطنطينية العاصمة البيزنطية، وبدؤوا في البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استرداد ملكهم. وكانوا قد تحصنوا بالإسكندرية في عهد عمر بن الخطاب، فطلب عمرو بن العاص منه أن يأذن بفتحها، وكانت معززة بتحصينات كثيرة وكانت المجانيق فوق أسوارها، وكان هرقل قد عزم أن يباشر القتال بنفسه ولا يتخلف أحد من الروم؛ لأن الإسكندرية هي معقلهم الأخير.وفي عصر عثمان تجمع الروم في الإسكندرية، ونقضوا الصلح واستعانوا بقوة الروم البحرية.
كانت المعسكرات في عهد عثمان تتوزع في عواصم الأقطار الكبرى، فمعسكر العراق مركزه الكوفة والبصرة، ومعسكر الشام في دمشق، ومعسكر مصر مركزه الفسطاط، وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية الدولة الإسلامية كما تعمل على مواصلة الفتوحات، ونشر الإسلام.
الفتوحات في المشرق
فتوحات أهل الكوفة
كانت مغازي أهل الكوفة الري وأذربيجان، وكان يرابط بها عشرة آلاف مقاتل؛ ستة آلاف بأذربيجان، وأربعة آلاف بالري، وكان جيش الكوفة العامل أربعين ألف مقاتل، يغزو كل عام منهم عشرة آلاف. ولما أخلص عثمان الكوفة للوليد بن عقبة انتفض أهل أذربيجان، فمنعوا ما كانوا قد صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر، وثاروا على واليهم عقبة بن فرقد، فأمر عثمان الوليد أن يغزوهم، فأسرع إليه أهل أذربيجان طالبين الصلح على ما كانوا صالحوا عليه حذيفة، فأجابهم الوليد وأخذ طاعتهم، وبث فيمن حولهم السرايا وشن عليهم الغارات، فبعث عبد الله بن شبيل الأحمسي في أربعة آلاف إلى أهل موقان والببر الطيلسان، فأصاب من أموالهم وغنم وسبي، ولكنهم تحرزوا منه فلم يفلّ حدَّهم، ثم جهز سليمان الباهلي في اثني عشر ألفا إلى أرمينية فأخضعها وعاد منها مليء اليدين بالغنائم، وانصرف الوليد بعد ذلك عائداً إلى الكوفة. ولكن أهل أذربيجان تمردوا أكثر من مرة، فكتب الأشعث بن قيس والي أذربيجان إلى الوليد بن عقبة فأمده بجيش من أهل الكوفة، وتتبع الأشعث الثائرين وهزمهم هزيمة منكرة، فطلبوا الصلح فصالحهم على صلحهم الأول، وخاف الأشعث أن يعيدوا الكَرَّة فوضع حامية من العرب وجعل لهم عطايا وسجلهم في الديوان، وأمرهم بدعوة الناس إلى الإسلام. ولما تولى أمرهم سعيد بن العاص عاد أهل أذربيجان وتمردوا على الوالي الجديد، فبعث إليه جرير بن عبد الله البجلي فهزمهم وقتل رئيسهم، ثم استقرت الأمور بعد أن أسلم أكثر شعبها وتعلموا القرآن الكريم. وأما الري فقد صدر أمر الخليفة عثمان إلى أبي موسى الأشعري وفي وقت ولايته على الكوفة، وأمره بتوجيه جيش إليها لتمردها، فأرسل إليها قريظة بن كعب الأنصاري فأعاد فتحها.
عندما انتهى الوليد بن عقبة من مهمته في أذربيجان وعاد إلى الموصلجاءه أمر من الخليفة عثمان نصه:
«أما بعد، فإن معاوية بن أبي سفيان كتب إليَّ يخبرني أن الروم قد أجلبت (تجمعت للحرب) على المسلمين بجموع عظيمة، وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولي، والسلام»
فقام الوليد في الناس، فخطب فيهم حتى خرج ثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة، فمضوا حتى دخلوا وأهل الشام إلى أرض الروم، وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري، وعلى جند أهل الكوفة سلمان بن ربيعة الباهلي، فشنوا الغارات على أرض الروم، فأصاب الناس ما شاؤوا من سبي، وملؤوا أيديهم من المغنم، وافتتحوا بها حصونا كثيرة.
تعليقات
إرسال تعليق