51-وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
51-وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
يقول تعالى مخبرا عن القوم الذين لو عذبهم قبل قيام الحجة عليهم لاحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول أنهم لما جاءهم الحق من عنده على لسان محمد صلى الله عليه وسلم قالوا على وجه التعنت والعناد والكفر والجهل والإلحاد « لولا أوتي مثل ما أوتي موسى » الآية يعنون والله أعلم من الآيات الكثيرة مثل العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وتنقيص الزروع والثمار مما يضيق على أعداء الله وكفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى إلى غير ذلك من الآيات الباهرة والحجج القاهرة التي أجراها الله تعالى على يدي موسى عليه السلام حجة وبرهانا له على فرعون وملئه وبني إسرائيل ومع هذا كله لم ينجع في فرعون وملئه بل كفروا بوسى وأخيه هرون كما قالوا لهما « أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه أباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين » وقال تعالى « فكذبوهما فكانوا من المهلكين » ولهذا قال هاهنا « أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل » أي أو لم يكفر البشر بما أوتي موسى من تلك الآيات العظيمة « قالوا ساحران تظاهرا » أي تعاونا « وقالوا إنا بكل كافرون » أي بكل منهما كافرون ولشدة التلازم والتصاحب والمقاربة بين موسى وهرون دل ذكر أحدهما على الآخر كما قال الشاعر-فما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني-أي فما أدري يلينى الخير أو الشر قال مجاهد أمرت اليهود قريشا أن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك فقال الله « أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل قالوا ساحران تظاهرا » قال يعني موسى وهرون صلى الله عليهما « تظاهرا » أي تعاونا وتناصرا وصدق كل منهما الآخر وبهذا قال سعيد بن جبير وأبو رزين في قوله « ساحران » يعنون موسى وهرون وهذا قول جيد قوى والله أعلم وقال مسلم بن يسار عن ابن عباس « قالوا ساحران تظاهرا » قال يعنون موسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم وهذا رواية الحسن البصري وقال الحسن وقتادة يعني عيسى ومحمدا صلى الله عليهما وسلم وهذا فيه بعد لأن عيسى لم يجر له ذكر ههنا والله أعلم وأما من قرأ « سحران تظاهرا » فقال على بن أبي طلحة والعوفى عن ابن عباس يعنون التوراة والقرآن وكذا قال عاصم الجندى والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال السدي يعني صدق كل واحد منهما الآخر وقال عكرمة يعنون التوراة والإنجيل وهو رواية عن أبي زرعة واختاره ابن جرير « 20/85 » وقال الضحاك وقتادة الإنجيل والقرآن والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب والظاهر على قراءة « سحران » أنهم يعنون التوراة والقرآن لأنه قال بعده « قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه » وكثيرا ما يقرن اللهبين التوراة والقرآن كما في قوله « قل من أنزل الكت الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس » إلى أن قال « وهذا كتاب أنزلناه مبارك » وقال في آخر السورة « ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن » الآية وقال « وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون » وقالت الجن « إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه » وقال ورقة بن نوفل هذا الناموس الذي أنزل على موسى وقد علم بالضرورة لذوي الألباب أن الله تعالى لم ينزل كتابا من السماء فيما أنزل من الكتب المتعددة على أنبيائه أكمل وأشمل ولا أفصح ولا أعظم ولا أشرف من الكتاب الذى أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن وبعده في الشرف والعظمة الكتاب الذى أنزله على موسى بن عمران عليه السلام وهو الكتاب الذى قال الله فيه « إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء » والإنجيل إنما أنزل متمما للتوراة ومحلا لبعض ما حرم على بنى إسرائيل ولهذا قال تعالى « قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه أن كنتم صادقين » أي فيما تدافعون به الحق وتعارضون به من الباطل قال الله تعالى « فإن لم يستجيبوا لك » أي فإن لم يجيبوك عما قلت لهم ولم يتبعوا الحق « فاعلم أنما يتبعون أهواءهم » أي بلا دليل ولا حجة « ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله » أي بغير حجة مأخوذة من كتاب الله « إن الله لا يهدي القوم الظالمين » وقوله تعالى « ولقد وصلنا لهم القول » قال مجاهد فصلنا لهم القول وقال السدي بينا لهم القول وقال قتادة يقول تعالى أخبرهم كيف صنع بمن مضى وكيف هو صانع « لعلهم يتذكرون » قال مجاهد وغيره « وصلنا لهم » يعني قريشا وهذا هو الظاهر لكن حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن رفاعة ورفاعة هذا هو ابن قرظة القرظي وجعله ابن منده رفاعة بن شموال خال صفية بنت حيوه و الذي طلق تميمة بنت وهب التي تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير بن باطا كذا ذكره ابن الأثير قال نزلت « ولقد وصلنا لهم القول » في عشرة أنا أحدهم رواه ابن جرير « 20/88 » وابن أبي حاتم من حديثه
تعليقات
إرسال تعليق