فسيحوأفي الأرض
2-فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ
مقدمة تفسير سورة التوبة بسم الله الرحمن الرحيم سورة التوبة وهي مدنية هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال البخاري « 4654 » حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول آخر آية نزلت « يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة » وآخر سورة نزلت-براءة وإنما لم يبسمل في أولها لأن الصحابة لم يكتبوا البسملة في أولها في المصحف الإمام بل اقتدوا في ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه كما قال الترمذي « 3086 » حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي وسهل بن يوسف قالوا حدثنا عوف بن أبي جميلة أخبرني يزيد الفارسي أخبرني ابن عباس قال قلت لعثمان بن عفان ماحملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين وقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ماحملكم على ذلك فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها وخشيت أنها منها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال وكذا رواه الإمام أحمد « 1/57 » وأبو داود « 786 » والنسائي « قرآن 32 » وابن حبان في صحيحه « 43 » والحاكم في مستدركه « 2/221و330 » من طرق أخر عن عوف الأعرابي به وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك وهم بالحج ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك وأنهم يطوفونبالبيت عراة فكره مخالطتهم وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميرا على الحج تلك السنة ليقيم للناس مناسكهم ويعلم المشركين أن لا يحجوا بعد عامهم هذا وأن ينادي في الناس « براءة من الله ورسوله » فلما قفل أتبعه بعلي بن أبي طالب ليكون مبلغا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه عصبة له كما سيأتي بيانه فقوله تعالى « براءة من الله ورسوله » أي هذه براءة أي تبرؤ من الله ورسوله « إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر » اختلف المفسرون ههنا اختلافا كثيرا فقال قائلون هذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة أو من له عهد دون أربعة أشهر فيكمل له أربعة أشهر فأما من كان له عهد مؤقت فأجله إلى مدته مهما كان لقوله تعالى « فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم » الآية ولما سيأتي في الحديث ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته وهذا أحسن الأقوال وأقواها وقد اختاره ابن جرير رحمه الله وروي عن الكلبي ومحمد بن كعب القرظي وغير واحد وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله « براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر » الآية قال حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون في الأرض حيث ما شاؤا وأجل أجل من ليس له عهد أنسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر إلى أنسلاخ المحرم فذلك خمسون ليلة فإذا أنسلخ الحرم أمره بأن يضع السيف فيمن لا عهد له وكذا رواه العوفي عن ابن عباس وقال الضحاك بعد قوله فذلك خمسون ليلة فأمر الله نبيه إذا أنسلخ المحرمأن يضع السيف فيمن بينه وبينه عهد يقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام وأمر بمن كان له عهد إذا أنسلخ أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر أن يضع فيهم السيف أيضا حتى يدخلوا في الإسلام وقال أبو معشر المدني حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع وبعث علي بن أبي طالب بثلاثين آية أو أربعين آية من براءة فقرأها على الناس يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض فقرأها عليهم يوم عرفة أجلهم عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرا من ربيع الآخر وقرأها عليهم في منازلهم وقال لا يحجن بعد عامنا هذا مشرك ولايطوفن بالبيت عريان وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد « براءة من الله ورسوله » إلى أهل العهد خزاعة ومدلج ومن كان له عهد أو غيرهم فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ثم قال إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك فأرسل أبا بكر وعليا رضي الله عنهما فطافا بالناس في ذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها وبالمواسم كلها فآذنوا أصحاب العهد بأذن يؤمنوا أربعة أشهر فهي الأشهر المتواليات عشرون من ذي الحجة إلى عشر يخلون من ربيع الآخر ثم لاعهد لهم وآذن الناس كلهم بالقتال إلا أن يؤمنوا وهكذا روى عن السدي وقتادة قال الزهري كان ابتداء التأجيل من شوال وآخره سلخ المحرم وهذا القول غريب وكيف يحاسبون بمدة لم يبلغهم حكمها وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر حين نادى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ولهذا قال تعالى « أذان من الله وروسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم »
تعليقات
إرسال تعليق