بلقاسم القطعة يكتب: هل إيران نسخة شيعية من إسرائيل؟
بلقاسم القطعة
ليس المراد من خلال هذه المحاولة جعل إيران تبدو في موقع إجرام ، أو في موقع عداوة من خلال تشبيهها بإسرائيل، لكن ما يراد تبيانه هو أن كلا من إسرائيل وإيران تقومان على نفس الفلسفة، وهنا نقصد احتكار هوية دينية، وتقديم الدولة ككيان على أنها حصن حامي لكل معتنقي هذا الدين في كل مناطق العالم، أي اليهودية بالنسبة لدولة إسرائيل، والمذهب الشيعي بالنسبة لإيران، مع حفظ الاحترام والأخوة لأشقائنا الشيعة ، أي تناول القضية من منطلق سياسي، أو بالأحرى توظيف الدين خدمة لأهداف سياسية، سنركز من خلال تحليلنا على فكرة الحصن الديني، والذي يقصد به تلك الدولة التي تقدم نفسها عبر هوية دينية، وتطور شرعية تتدخل بها في شؤون الدول الأخرى ضمن منطق يجعلها ترى في الأقليات المتناثرة في دول ثانية امتدادا لنفوذها وبطاقات ضغط تجعل حكوماتها الوطنية تسير في ركب الدولة المحتكرة للهوية الدينية.
تاريخيا، قدمت إسرائيل نفسها كوطن قومي لليهود، وروجت لفكرة أن أي يهودي مضطهد على وجه الأرض هو محل ترحيب في ارض الميعاد التي عادت أخيرا لأصحابها، لكن صناع دولة إسرائيل الأوائل اصطدموا بعائق عويص في طريق عمليتهم الاستقطابية، ففي الوقت الذي تنظر إسرائيل لمظلومية اليهود على مر التاريخ، برزت جماعات يهودية متعايشة في بيئات عربية وإسلامية لا تنطبق عليها صفات البؤس والاضطهاد وغير ذلك، وفي مواجهة ذلك، عمدت مخابرات الدولة الناشئة على تفجير الأوضاع الداخلية وترهيب الأقليات اليهودية لجعلها ترى في إسرائيل ملاذا آمنا وحصنا منيعا هربا من "الإرهاب" ، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، ففي كثير من الأحيان كان الأقليات اليهودية ضحية صفقات بين حكومات دولها الأصلية وأجهزة المخابرات الصهيونية ، فوجد بعض اليهود عبر العالم أنفسهم مجبورين على اعتناق هويتهم السياسية الجديدة المعروفة بدولة إسرائيل ، وللإشارة فكرة إسرائيل كحصن يهودي نقي لم تمت ، ولم تستطع الخلفية العلمانية للمجتمع وتعدديته إلغائها، مازالت حاضرة تنتظر تقنينها لتصبح وطنا قوميا لليهود نصا ، وليس عقيدة رومانسية فقط .
بالنسبة لإيران الأمر مختلف، من ناحية أن إيران لم تبنِ هذا الحصن على أرض ليست ملكها، وإنما طورته وشيدته روحانيا على أراضيها ، وعلى جغرافيتها، الفرق هو أنها سلكت نفس النهج الإسرائيلي في جعل نفسها تبدو قلعة شيعية دون أن تعادي جيرانها عداءً مباشرا وواضحا ، ودون أن توصم بالدولة الاستعمارية ولا الصهيونية ، تريد إيران أن تبث رسالة للجماعات الشيعية في العالم، أن الثورة الإسلامية هي ثورتهم، وأنهم أقليات مسلوبة الحقوق ولا ناصر لهم إلا هذا المنتج الثوري الذي قوامه ولاية الفقيه، التي تعتبر مدخلا جذابا تستطيع إيران من خلاله أن تتحكم في خيوط شيعة الخليج، والشام والعراق عبر صاحب سلطة روحية يجلس في مكتبه في قم أو طهران، و ذكاء إيران ، يكمن في أنها لم تشجع هجرة الشيعة إلى أراضيها بقدر ما شجعتهم على البقاء في دولهم ، وتنظيم أنفسهم سياسيا بما يتماشى مع مصالح الدولة القائدة وتوجيهات نائب صاحب الزمان .
تبرز خطورة هذا النوع من التوجهات السياسية الإيرانية التي يبرر لها دينيا، من ناحيتين أساسيتين خطيرتين:
الأولى، هو أن ولاية الفقيه كآلية لاستقطاب وكسب ولاء الشيعة، هي آلية لا تعترف بالدولة الوطنية كتنظيم خاضع لمفهوم الجغرافيا، فليس من المنطقي أن يقاد الشيعي من داخل السعودية، أو الكويت أو البحرين أو لبنان، أو العراق بسلطة دينية تنفصل عن حكومته وعن دولته، فالحري بالشيعي أن يكون مكتفيا دينيا من بيئته الداخلية، صحيح أن العقائد تتطابق بين إيران وشيعة العالم، ولكن الظروف والالتزامات والولاءات تختلف فالشيعي ولاؤه الطبيعي يجب أن يكون لدولته ، مع حفظ كامل حقوقه في أن يمارس تعاليم مذهبه ، وطقوسه بما لا يتعارض مع مصلحة دولته واستقلالها، وهذا الحق يدافع عنه كل شخص طبيعي وعادل.
الثانية: هي أن هذه السياسة الإيرانية التي ظاهرها حماية الشيعة، جعلت العنصر الشيعي الأصيل في المنطقة العربية يعيش مأزقا هوياتيا، وينفصل لا إراديا عن نسيجه المجتمعي، إلى درجة تخوينه في بعض الأحيان، إذ أصبح أي صوت شيعي يعلو يوصم بالعمالة لإيران، والخيانة وغير ذلك، بحيث أنه حتى وإن ظلم الشيعة هم غير قادرين على تحصيل حقوقهم.
إذا أسسنا على فرضية أن من هندس إيران ما بعد الثورة الإسلامية كان يضع نصب عينيه النموذج الإسرائيلي في علاقته مع المكونات الدينية في المنطقة، سيتضح لنا موطن تناقض كبير في سياسة إيران الخارجية، ولتكن علاقتها بإسرائيل نموذجا، حيث أن قضية دعم المقاومة ومساندة المسعى التحرري الفلسطيني هي جزء من لوحة العداوة بينهما، فإيران كدولة وطنية متماسكة مؤسسيا جل ما تخشاه هو نفس ما تمارسه مع الدول التي فيها جماعات شيعية، أي التدخل في الشؤون الداخلية لها، من منطلق أن إسرائيل تملك بطاقتين دينيتين داخل إيران، الأولى هي يهود طهران وما يشكل ذلك من تخوف في الأوساط الرسمية الإيرانية من تغلغل الموساد وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للدفع بهم للهجرة إلى تل أبيب.
أما البطاقة الثانية فهي الطائفة البهائية، والذين يتم التضييق عليهم بشدة لكون مقدساتهم، ومؤسساتهم العالمية موجودة في حيفا بإسرائيل، ويرى الداخل الإيراني أن القضايا الحقوقية المثارة حولهم عالميا ما هي إلا تفاهمات بين حكومة دولة إسرائيل وبيت العدل الأعظم البهائي، وهذا ربما ينسحب على سنة إيران وفوبيا وصول النفوذ الخليجي إليهم، إذن، إيران التي تتدخل في الشؤون الداخلية للدول عبر شرعنة ذلك بوجود شيعة مظلومين ومقدسات مستباحة تخاف أن يفعل بها نفس الشيء من طرف إسرائيل والقوى السنية في المنطقة.
ويبقى الاختلاف الواضح بين النموذجين يكمن في عجز إسرائيل على تطوير ولاية فقيه يهودية قادرة على تحريك يهود العالم داخل مجتمعاتهم دون تكبد خسائر استقدامهم إلى إسرائيل وبناء مستوطنات جديدة، وهذا يرجع إلى الخلفية العلمانية لجمهور اليهود القادمين من الغرب و مسعاهم لكبح نفوذ السلطة الدينية لصالح سلطات عسكرية ومدنية.
بلقاسم القطعة
كاتب ومدون جزائري
تعليقات
إرسال تعليق