متى يموت ؟! * سـام الغُــباري

متى يموت ؟!
* سـام الغُــباري
..
وصف "طارق صالح" الجائعين في صنعاء بـ "الصعاليك" ، فيما قال "حسين حازب" أن "المظاهرات المطالبة بالرواتب الشهرية للموظفين الحكوميين عادة سيئة ودخيلة على الإسلام" ! ، أجابه مُعلق حاذق "لم نعد مسلمين ، أصرفوا رواتبنا فقط" ! ، حازب صار وزيراً في حكومة الإنقلاب ، وتولى حقيبة التعليم العالي !! .

-       لن يصرف الحوثيون شيئاً .. يعتقدون أن أميركا ستنقذهم في اللحظة الأخيرة ، يتشبثون بالعنف كحل أخير ، فيما يساومهم "صالح" بالثورة الجائعة لنيل مقاعد أفضل في حكومة لا يعترف بها أحد سوى رحمة حجيرة وأسامة ساري ! .. الموظفون في حسابات الرئيس السابق مجرد كروت للضغط السياسي ، من ينكر هذه الحقيقة فهو أخرق ! ، تخيل أن يساومك أحد على حقك وأنت تغرق ، يقول لك أن يشتهي زوجتك وأنت تحترق ، وهو الوحيد الذي يملك انبوبة الإطفاء ! ، أليس الأمر كذلك ، مفردة النذالة لم تعد صالحة للإستخدام في وضع جنوني مثل هذا !.

-       فيما مضى قال "صالح" أن الإنفصاليين في الجنوب ، وإستخدم الجميع لطردهم ، قُـتل الآلاف من أجل الدولة ، إلا أن "صالح" كان يفكر في نجله "أحمد" فقط ، جزء من التشويه الذي تعرض له "يحيى" إبن شقيقه كان بتدبيره ، لقد كان يخشى ذلك الفتى الطموح على مستقبل الوريث المحتمل للرئاسة ، حتى الأفراد الأذكياء في اليمن الكبير عمد إلى تهجيرهم بالوظائف في السفارات البعيدة ، أو البحث عن اسرارهم القذرة وتحويلها إلى مصدر للإبتزاز ، وإغراءهم بالمال ، والوظائف .. إغراق المتقدمين في الصفوف الأولى بكل شيء ليصبحوا جزءاً من تركيبة الفساد النتن .

-       رغم كل شيء كُنا نتقدم ببطء ، إلا أن الشباب كانوا غاضبين ، خرجوا في 2011م بحثاً عن السرعة في عالم يتقدم بصورة مذهلة ، تعثروا في منتصف الطريق ، ومرة أخرى وقفنا مع الدولة وناصبناهم العداء ، شعرنا أن الرعب كان بإنتظارنا ، وقد حدث فعلاً .

-       لقد تخلى صالح عن رفيقه "علي محسن" ، وعن اللواء "حميد القشيبي" الذي سجل أول انتصار للعسكرية في عمران على الإنفصاليين المحتملين قبل 22 عاماً ، وأدت وفاة الشيخ "عبدالله الأحمر" إلى اعتلاءه عرش القبيلة ، واستوى على مكانة الشيخ الأول مع ضعف قدرات أنجاله عن التواصل مع القبائل التي شعرت بالفراغ الكبير ، في تلك الأثناء كان الرجل قد استكمل بناء كيانه الموازي ، القبيلة والسلطة والنفوذ .

-       في حرب الحوثيين ، سجّل "محسن" هدفاً في مرمى التمرد بعد اندلاعه بأشهر ، وأدى ذلك إلى شعور الرئيس السابق بالرعب من نجاحات رفيقه ، حتى أنه كان غاضباً بشدة من مصرع "حسين الحوثي" ، بينما لم تأخذه رأفة بعائلات العسكريين الضحايا الذين قُتلوا على سفوح مران ، ولا على رجال القبائل الذين ساندوا حربه الأولى ، فاخترع الحروب الباقية ، حتى وصل الأمر إلى تسليم صعدة للحوثيين السلاليين ، وتهجير رجاله الأوفياء أمثال عثمان مجلي ، وصغير بن عزيز الذين خسروا الحرب بعد أن أبرم صالح إتفاقاً مع أعداء الجمهورية ، وقد وعدوه بمنح نجله كرسي الرئاسة ، وكانت تلك هي العطية التي يرفضها أركان حكمه النافذين .

-       جاء صالح بنائبه ليكون رئيساً ، كانت تلك رغبته ، فأسلم الجميع وراءه ، وانتخب "هادي" الذي واجه دولة عميقة كانت تعشق زوجها السابق ، أراد الرئيس الجديد أن يرمم علاقة الرجلين "صالح ومحسن" في جامع الصالح ، إلا أن الرجل المحترق تجاهل يد السلام ، وخرج مسرعاً ، كان يشعر بالزهو لمخاوف الجميع من اقتراب الحوثيين المتسارع صوب صنعاء ، قال "هادي" في لقاء بالجزيرة القطرية أن "القبائل ساعدت في ذلك" كان مصيباً في فهم ما حدث ، ومدركاً لمعاني الصراع ، إلا أنه آثر الصمت وقاوم بكل أدواته الجريئة في تغيير معنى التركيبة الإنتهازية للنظام ، أراد أن يجعل العامين التي فرضها عليه المتخاصمين الكبار فرصة ذهبية لإبطال الألغام التي تعترض المستقبل اليمني ، حتى إقرار الدستور والرحيل بعدها ، كان "هادي" يسابق الزمن ، و المتحاذقون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل يتحججون بكل الترهات لإطالة الوقت حتى يخنقوا فرص الرجل ، وتتضاءل قدرته على التغيير الحقيقي ، حتى اشتعلت الحرائق حوله ، وهو يجري نحو الأمل ، وفي قاعة فسيحة تمتلئ بالأوغاد والطيبين رفع "هادي" مسودة الدستور الجديد ، وفي شارع مزدحم بالمارة أُختطف مدير مكتبه بمسودة الدستور قبل أن تصل إلى الناس ، حاول الرئيس المحاصر ابتلاع الضربة الموجعة ، إلا أن "صالح" كان قد حسم الأمر ، استخدم الحوثيين لبلوغ عنق الرئيس الذي اختاره هو ، قال أنه "خائن" ! ، لم يخن "هادي" الدولة ، لكنه ربما قلب الطاولة على العائلة المستبدة بإقرار الدستور الجديد الذي يحرم "أحمد" من نيل كرسي والده الذي كان يبتعد حقاً ، اقتحم الحوثيون دار الرئيس ،  وبعد عامين وثمانية أشهر من العشق الممنوع ، قدّم الرئيس الذي انتخبه "صالح" استقالته إلى مجلس نواب يهيمن عليه المؤتمر الشعبي العام ، إلا أن الحوثيين منعوا ذلك ، وكان "مهدي المشاط" – مدير مكتب عبدالملك الحوثي - يرفع السلاح في وجه ممثلي الأحزاب السياسية للتوقيع على اتفاق يقضي بتشكيل مجلس سياسي خلافاً للدستور النافذ لتولي السلطة في البلاد ، كان "أحمد علي عبدالله صالح" أحد أعضاءه كما تقول التصورات السابقة ، تركهم "هادي" يلهون بخداعهم ، وغادر عاصمتهم إلى "عدن" ، وأعلن من هناك أنه الرئيس ، وعلى الحمقى الذين يشحذون سيوفهم للإجهاز عليه الإصغاء إلى صوت العقل وإحترام شرعيته ، لاحقوه إلى هناك ، وفي طريق الرحيل المنكسر ، جاءت "عاصفة الحزم" لإنهاء الفصل الأخير من السادية المتوحشة التي حوّلت اليمن إلى حق غير مكتسب لمجموعة من الإنتهازيين القدامى.

-       نقل "هادي" الحرائق إلى بؤرة الصراع حيث العاصمة ، وفي هذه اللعبة الدموية اختار "صالح" الإعلان عن تحالفه مع "الحوثيين" على أطلال قصره الفخم ، كان "هادي" كما تقول المبادرة الخليجية مرشحاً عن المؤتمر الشعبي العام لكرسي الرئاسة ، إلا أن صالح لم يكترث لذلك ، وكان الآلاف من ضباطه يعيشون على نفوذه ، ومعهم ملايين الموظفين والأنصار والعجائز الذين كانوا يخشون من عودة الدولة إلى ما قبل "صالح" ، حيث كان الصراع متقداً ، والمخاوف عميقة ، وحرية الرأي شبحاً مرعباً ، لقد حقق "صالح" أشياءً جيدة في حياته كحاكم طويل الأمد ، لكنه أراد أن ينتصر في النهاية على كل الذين أخرجوه من السلطة ، حتى لو سقط كل انصاره ضحايا من أجل سلامة رأسه الكبير ، وتلك أنانية لا يحمدها أحد في شخص رجل يُلقب نفسه بـ"الزعيم" ، فقد كانت لديه ملياراته التي ينفق عليها من أجل الإنسانية والخدمات الاجتماعية ، وإثراء أعمال الخير إلى أن يموت كرجل محبوب ومتسامح .

-       اليوم يتضور موظفوه الذين خرجوا إلى ميدان السبعين لمباركة جهوده الخارقة في الإعتداء على الدولة جوعاً ، ورغم ذلك ما يزال مستعداً للتضحية بهم ، لقد منحوه الحب وكانوا معه في كل غزواته ونزواته ومغامراته ، دفعوا فلذات أكبادهم بكل إتجاه لقتال خصومه ، دفعوا كل شيء حتى خلت مخازنهم من الطحين ، رغم ذلك لم يمنحهم الرجل شيئاً ، يخشى نفسه ولا يخشى عذاباتهم ، يدافع عن عائلته ، ويتخلى عن السماء والأرض و الوحدة والجمهورية والناس أجمعين .. ولم أعد استطع التفكير كيف ومتى يمكن أن يموت هذا الرجل ؟!

.. وإلى لقاء يتجدد

·      كاتب وصحافي يمني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4- قبائل تشترك مع الزرانيق في الأرض و التاريخ و المعتقد و الفلكلور و العادات و التقاليد و ارتضت الانضواء في الاتحاد الكونفدرالي " الزرانيق " لأغراض الحماية و المكاسب الاقتصادية