31-ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يقول
31-ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يقول تعالى « ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل » أي بينا للناس فيه بضرب الأمثال « لعلهم يتذكرون » فإن المثل يقرب المعنى إلى الأذهان كما قال تبارك وتعالى « ضرب لكم مثلا من أنفسكم » أي تعلمونه من أنفسكم وقال عز وجل « وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون » وقوله جل وعلا « قرءآنا عربيا غير ذي عوج » أي هو قرآن بلسان عربي مبين لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس بل هو بيان ووضوح وبرهان وإنما جعله الله تعالى كذلك وأنزله بذلك « لعلهم يتقون » أي يحذرون ما فيه من الوعيد ويعملون بما فيه من الوعد ثم قال « ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون » أي يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم « ورجلا سلما » أي سالما « لرجل » أي خالصا لا يملكه أحد غيره « هل يستويان مثلا » أي لا يستوي هذا وهذا كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له فأين هذا من هذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وغير واحد هذه الآية ضربت مثلا للمشرك والمخلص ولما كان هذا المثل ظاهرا بينا جليا قال « الحمد لله » أي على إقامة الحجة عليهم « بل أكثرهم لا يعلمون » أي فلهذا يشركون بالله وقوله تبارك وتعالى « إنك ميت وإنهم ميتون » هذه الآية من الآيات التي استشهد بها الصديق رضي الله عنه عند موت الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تحقق الناس موته مع قوله عز وجل « وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين » ومعنى هذه الآية أنكم ستنقلون من هذه الدار لامحالة وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الآخرة وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله عز وجل فيفصل بينكم ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين ثم إن هذه الآية وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة قال ابن أبي حاتم رحمه الله حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو عن أبي حاطب يعني يحيى بن عبد الرحمن عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال لما نزلت « ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون » قال الزبير رضي الله عنه يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة قال صلى الله عليهوسلم نعم قال رضي الله عنه إن الأمر إذا لشديد وكذا رواه الإمام أحمد « 1/164 » عن سفيان وعنده زيادة ولما نزلت « ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم » قال الزبير رضي الله عنه أي رسول الله أي نعيم نسئل عنه وإنما نعيمنا الأسودان التمر والماء قال صلى الله عليه وسلم أما إن ذلك سيكون وقد روى هذه الزيادة الترمذي « 3356 » وابن ماجة « 4158 » من حديث سفيان به وقال الترمذي حسن وقال أحمد أيضا « 1/167 » حدثنا ابن نمير حدثنا محمد يعني ابن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال لما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون » قال الزبير رضي الله عنه أي رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا من خواص الذنوب قال صلى الله عليه وسلم نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه قال الزبير رضي الله عنه والله إن الأمر لشديد رواه الترمذي « 3236 » من حديث محمد بن عمرو به وقال حسن صحيح وقال الإمام أحمد « 4/151 » حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن أبي عشانة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول خصمين يوم القيامة جاران تفرد به أحمد وقال الإمام أحمد « 3/29 » أيضا حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إنه ليختصم حتى الشاتان فيما انتطحتا تفرد به أحمد رحمه الله وفي المسند « 5/162 » عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين ينتطحان فقال أتدري فيما ينتطحان يا أبا ذر قلت لا قال صلى الله عليه وسلم لكن الله يدري وسيحكم بينهما وقال الحافظ أبو بكر البزار « 1644 » حدثنا سهل بن بحر حدثنا حبان بن أغلب حدثنا أبي حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاء بالإمام الجائر الخائن يوم القيامة فتخاصمه الرعية فيفلحونعليه فيقال له سد ركنا من أركان جهنم ثم قال الأغلب بن تميم ليس بالحافظ وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما « ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون » يقول يخاصم الصادق الكاذب والمظلوم الظالم والمهتدي الضال والضعيف المستكبر وقد روى ابن منده في كتاب الروح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يختصم الناس يوم القيامة حتى تختصم الروح مع الجسد فتقول الروح للجسد أنت فعلت ويقول الجسد للروح أنت أمرت وأنت سولت فيبعث الله تعالى ملكا يفصل بينهما فيقول لهما إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير والآخر ضرير دخلا بستانا فقال المقعد للبصير إني أرى ههنا ثمارا ولكن لا أصل اليها فقال له الضرير اركبني فتناولها فركبه فتناولها فأيهما المعتدي فيقول كلاهما فيقول لهما الملك فإنكما قد حكمتما على أنفسكما يعني أن الجسد للروح كالمطية وهو راكبه وقال ابن أبي حاتم حدثنا جعفر بن أحمد بن عوسجة حدثنا ضرار حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا منصور بن سلمة حدثنا القمي يعني يعقوب ابن عبد الله عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال نزلت هذه الآية وما نعلم في أي شيء نزلت « ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون » قال قلنا من نخاصم ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومة فمن نخاصم حتى وقعت الفتنة فقال ابن عمر رضي الله عنهما هذا الذي وعدنا ربنا عز وجل نختصم فيه ورواه النسائي « كبرى 11447 » عن محمد بن عامر عن منصور بن سلمة به وقال أبو العالية في قوله تبارك وتعالى « ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون » فقال يعني أهل القبلة وقال ابن زيد يعني أهل الإسلام وأهل الكفر وقد قدمنا أن الصحيح العموم والله سبحانه وتعالى أعلم
تعليقات
إرسال تعليق