القرآن الكريم
51-إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ
يقول تعالى مخبرا عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام أن الله يعلمه الكتاب والحكمة الظاهر المراد بالكتاب هاهنا الكتابة والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة والتوراة والإنجيل فالتوراة الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران والإنجيل الذي أنزل على عيسى ابن مريم عليهما السلام وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا وهذا وقوله « ورسولا إلى بني إسرائيل » قائلا لهم « أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله » وكذلك كان يفعل بصور من الطين شكل طير ثم ينفخ فيه فيطير عيانا بإذن الله عز وجل الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله « وأبرئ الأكمه » قيل إنه الذي يبصر نهارا ولا يبصر ليلا وقيل بالعكس وقيل الأعمش وقيل هو الذي يولد أعمى وهو أشبه لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي « والأبرص » معروف « وأحيي الموتى بإذن الله » قال كثير من العلماء بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه فكان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة فبعثه الله بمعجزات بهرت الأبصار وحيرت كل سحار فلما أستيقنوا أنها من عند العظيم الجبار إنقادوا للإسلام وصاروا من عباد الله الأبرار وأما عيسىعليه السلام فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد أو على مداواة الأكمه والأبرص وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشعراء فأتاهم بكتاب من الله عز وجل فلو إجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبدا لو كان بعضهم لبعض ظهيرا وما ذاك إلا أن كلام الرب عز وجل لا يشبه كلام الخلق أبدا وقوله « وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم » أي أخبركم بما أكل أحدكم الآن وما هو مدخر له في بيته لغد « إن في ذلك » أي في ذلك كله « لآية لكم » أي على صدقي فيما جئتكم به « إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة » أي مقرا لهم ومثبتا « ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم » فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح من القولين ومن العلماء من قال لم ينسخ منها شيئا وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ وكشف لهم عن الغطاء في ذلك كما قال في الآية الأخرى « ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه » والله أعلم ثم قال « وجئتكم بآية من ربكم » أي بحجة ودلالة على صدقي فيما أقول لكم « فأتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فأعبدوه » أي أنا وأنتم سواء في العبودية له والخضوع والإستكانة إليه « هذا صراط مستقيم »
تعليقات
إرسال تعليق