القرآن الكريم
54-وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
يقول تعالى « فلما أحس عيسى » أي إستشعر منهم التصميم على الكفر والإستمرار على الضلال قال من أنصاري إلى الله قال مجاهد أي من يتبعني إلى الله وقال سفيان الثوري وغيره أي من أنصاري مع الله وقول مجاهد أقرب والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه وهاجر إليهم فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر رضي الله عنهم وأرضاهم وهكذا عيسى ابن مريم عليه السلام إنتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه وأتبعوا النور الذي أنزل معه ولهذا قال تعالى مخبرا عنهم « قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت وأتبعنا الرسول فأكتبنا مع الشاهدين » الحواريون قيل كانوا قصارين وقيل سموا بذلك لبياض ثيابهم وقيل صيادين والصحيح أن الحواري الناصر كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب فأنتدب الزبير ثم ندبهم فأنتدب الزبير رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري وحواري الزبير وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله « فأكتبنا مع الشاهدين » قال مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا إسناد جيد ثم قال تعالى مخبرا عن ملإ بني إسرائيل فيما هموا به من الفتك بعيسى عليه السلام وإرادته بالسوء والصلب حين تمالؤا عليه ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان وكان كافرا أن هنا رجلا يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك ويفند الرعايا ويفرق بين الأب وابنه إلى غير ذلك مما تقادوه في رقابهم ورموه به من الكذب وأنه ولد زنية حتى إستثاروا غضب الملك فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به فلما أحاطوا بمنزلة وظنوا أنهم قد ظفروا به نجاه الله تعالى من بينهم ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء وألقى الله شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل فلما دخل أولئك أعتقدوه في ظلمة الليل عيسى فأخذوه وأهانوه وصلبوه ووضعوا على رأسه الشوك وكان هذا من مكر الله بهم فإنه نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهموتركهم في ضلالهم يعمهون يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعنادا للحق ملازما لهم وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد ولهذا قال تعالى « ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين »
تعليقات
إرسال تعليق