ثورة الدستور
ثورة الدستور هي إنقلاب مسلح قاده الإمام عبد الله الوزير على المملكة المتوكلية اليمنية في 17 فبراير1948 لإنشاء دستور للبلاد. قتل خلاله الإمام يحيى حميد الدين ببندقية الشيخ علي بن ناصر القردعي في منطقة حزيز جنوبي صنعاء. أزيح آل حميد الدين من الحكم وتولى عبد الله الوزير السلطة كإمام دستوري، فشل الانقلاب بعد أن قام الإمام أحمد حميد الدين بثورة مضادة مؤيدة بأنصاره من القبائل استطاع خلالها إجهاض الثورة وإعدام الثوار وقدمت السعودية الدعم للإمام أحمد بسبب طبيعة الانقلاب الدستورية. كذلك إبتعاد القيادات عن عموم الشعب أدى إلى فشل الثورة، فعلاقة الإمام بالقبائل كانت أقوى كونه "أمير المؤمنين" فلم تكن هناك من مقارنة بين القوات الانقلابية والقبائل التي استجابت لدعوة الإمام أحمد.
الإمام يحيى حميد الدين.
المزيد من المعلومات: الثورة الدستورية اليمنية, المتحاربون ...
احداث قبل الثورة
كانت خطة الثورة في البداية انتظار موت الإمام يحيى موتا طبيعياً فهو مريض مسن ، ولكن في منتصف يناير1948 اختارت "الجمعية اليمنية الكبرى" رجلا ليشق طريقه داخل قصر الإمام ليقوم باغتياله ونجح الرجل في دخول القصر إلا أنه قبض عليه بواسطة عبد مخلص من حرس القصر اسمه –عامر عنبر قبل أن يأخذ طريقه إلى غرفة الإمام ولكن الرجل هرب من القصر عبر السور مارا بحي بير الغرب . أذيع في عدن بيان الثورة وأن عبد الله بن الوزير بويع بالإمامة خلفا للإمام وأوفد حاكم عدن ضابط شرطه إلى سيف الإسلام إبراهيم يحيى حميد الدينلينقل إليه تعازيه الشخصية مما جعل الجميع يوقنون تماما بأن الإمام مات.
لم يعرف الثوار في عدن حقيقة ما جرى في قصر الإمام في صنعاء.. فقد اعتقل "القاتل" قبل أن يقوم بمهمته في اغتيال الإمام ، ولكنه –أي القاتل- استطاع الهرب فظن زملاؤه الذين رأوه يهرب أنه نجح فأذاعوا النبأ.
وعمل الإمام يحيى على استدعاء ولي عهده سيف الإسلام أحمد من تعز إلى صنعاء ليقوم هو باعتقال عبد الله الوزير وغيره من المشتبه فيهم وفي تعز حيث إقامة ولي العهد أحمد –اتفقت مجموعة من قادة الأحرار وهم من الإخوان- حسين الكيسي و الفضيل الورتلاني- و زيد الموشكي وأحمد الشامي وغيرهم – على تدارك الأمر بعرض "الميثاق" (الذي ينظم طريقة الحكم وصلاحيات الإمام) عليه ولكن ولى العهد أحمد رفض الفكرة جمله وتفصيلا .
اكتشف ولي العهد مخطط خصومه وكان يعلم أنه المستهدف الأول والخطير من قبل المنافسين له على السلطة والخائفين منه ، وأولئك الذين لا يرونه أهلاً للقيام بالإمامة على شرط المذهب الزيدي ، ومن قبل "الأحرار" والمعارضين في عدن كان عليه أن يدبر أمر النجاة بنفسه من أية محاولة أو ترتيب لاغتياله –وفي الوقت نفسه يعمل على سحب أكثر عدد ممكن من "الجيش النظامي" بتعز ، حتى لا يطارده أحد حين يغادرها ، ومن جهة أخرى- كان عليه أن يؤمن سفره وهو في طريقه إلى "حجة" -مركز الزيدية الحصين- بإيهام كل من في تعز وصنعاء أنه متجه إليها. ثم كان عليه – بعد كل ذلك أن يكسب موقف الملك عبد العزيز آل سعود ، بأن يظل على الأقل محايدا لأنه كان يظن – إن لم يكن متأكدا- أن الملك عبد العزيز يقدر عبد الله الوزير ، وابن عمه على ابن عبد الله الوزير ، ويفضلهما عليه ، ويخاف من اعترافه بالوزير ، إذا ادعى الإمامة ، ومن تأييده له ووقوفه بجانبه إذا تنازعا.
تنفيذ الاغتيال
شعر الأحرار اليمنيون بأن الإمام يحيى حميد الدين في طريقه لاكتشاف شخصياتهم بعد أن كشفت ترتيباتهم بعد ان شفي من مرضة ، وبالتالى سيضرب ضربته ضدهم، فقرروا اغتياله، وجاء وقت التنفيذ في يوم الثلاثاء 7 ربيع الثاني 1367هـ الموافق 17 فبراير 1948 وقد أعد علي السنيدار و محمد الكبوس سيارة من سيارات شركةالفضيل الورتلاني التي أنشأها في اليمن، عليها خمسة أشخاص مسلحون يسوقها أحمد ريحان، واعترضت موكب الإمام يحيى عند قرية حزيز، التي تبعد عن صنعاء بعشرة كيلو مترات، فانطلقت رصاصات من مدفع رشاش استقر خمسون منها في جسد الإمام، فمات في الحال، وقتل معه رئيس وزرائه، القاضي عبد الله العمرىوخادمه، وقتل ولداه الحسين ومحسن عندما أرادا مقاومة الثوار المتجهين إلى القصر الملكى، كما قتل حفيد الإمام واعتقل ثلاثة من أبنائه ، وهم القاسم وعلى وإسماعيل .
أبلغ زعماء القبائل والمحافظون في أنحاء اليمن بأن الإمام توفى بالسكتة القلبية ولكن خبر موته الدموي انتشر بين الناس ووصل إلى القرى مثيرا الشكوك تجاه الحكم الجديد. وكان ممن شارك في تدبير عملية الاغتيالجمال جميل مدير الأمن العام في اليمن. وهو ضابط عراقي .
إعلان الإمام الجديد
في صنعاء بويع عبد الله الوزير (الذي كان قائدا عاما لجيوش الإمام يحيى ومحافظ الحديدة) أميرا للمؤمنين وإماما للمسلمين، يوم 17 فبراير 1948 وأصدرت الحكومة الجديدة بلاغا عاما باسم مدير الدعاية يصف فيه سير الأحداث التي جرت خلال الأيام التي سيطرت الحكومة الجديدة فيها على الوضع العام حيث جاء فيه :
في الساعة السابعة من يوم الثلاثاء الموافق 8 ربيع الآخر سنة 1267 هـ الساعة الأولى من 17 فبراير 1948 مات الإمام يحيى حميد الدين وفي صبيحة يوم الأربعاء الساعة واحدة عربي أي : "الساعة السابعة صباحا" تجهزت الجماهير من علماء صنعاء وسادتها وخطبائها وشعرائها وتجارها وباعتها وأجمعوا أمرهم وفي مقدمتهم حكام الاستئناف على تنصيب إمام جديد يكفل لها الخير الشامل والبركة فقر قرارهم بعد تبادل المشورة على اختيار السيد عبد الله بن أحمد الوزير أيده الله فبلغ اختيارهم له فخرج من داره واتجه نحوقصر غمدان حيث عقدت له البيعة فقدموا صورة لقيام نظام سائد وسكينة ووقار وحطوا أيديهم في يده وبايعوه إماما شرعيا شورويا دستوريا.. وبعد تقدمهم وعقد بيعتهم تقدم أمير الجيش اليماني وكتبته فبايعوه كما بايعه الذين من قبلهم ثم دخل على أثرهم مشايخ قبائل ضواحي صنعاء ورؤساء عشائرهم فبايعوه على ذلك .
وفي مصر وصفت جريدة الإخوان المسلمين في عددها يوم 21 فبراير عام 1948 الإمام الجديد عبد الله الوزيربالتقى، والعالم، والفقيه.
حكومة الدستور
وألفت الحكومة اليمانية الجديدة من مجلس الشورى يتألف من ستين عالما وفقيها من نخبة الأمة اليمنية . وقرر مجلس وزراء حكومة الثورة تعيين الفضيل الورتلانى (مهندس الثورة) أول مستشار عام للدولة، وطلب من الشيخحسن البنا والفريق عزيز المصري، أن يكونا من المستشارين العموميين للحكومة، وأعلنت إذاعة صنعاء أن الإمام تفضل وعين أحد المصريين مصطفى الشكعة مديرا للإذاعة اليمنية وباقى زملائه مذيعين وهم من الإخوان، لتعمل الإذاعة أربع ساعات يومياً .
واتخذ المجلس أيضًا قرارات تتعلق بمستقبل الشعب اليمني ورفاهيته كان أهمها المسارعة إلى إنشاء مجلس شورى حتى تتخلص اليمن من حكمها الاستبدادي.اعتماد مبلغ ضخم لإنشاء مجموعة من المستشفيات تكون كشبكة طبية ف جميع أنحاء البلاد واستدعاء مجموعة ضخمة من الأطباء العرب لإدارتها بمرتبات مغرية.اعتماد مبلغ آخر لإنشاء أكبر عدد من المدارس الابتدائية والثانوية والصناعية واستقبال المدرسين من جميع أنحاء العالم العربي وإرسال البعوث الكبيرة من أبناء اليمن وشبابه لإتمام تعليمهم في مصر.إنشاء شبكة من الطرقات الممهدة تصل جميع أطراف الدولة بعضها ببعض وتختصر المسافات الطويلة التي يقطعها المسافر وذلك بإنشاء الكباري والجسور فوق الأودية في الطرق الرئيسية.إقامة محطات كهرباء في المدن العامة مثل صنعاء والحديدة وتعز لإضاءتها بالكهرباء لأول مرة في تاريخ. 6- الاتفاق مع شركات عربية وأجنبية لاستغلال مناجم الفحم والنحاس التي توجد بوفرة في بلاد اليمن.التعاقد مع إحدى الشركات لخلق ميناء كبير في خليج الكثيبل المجاور لمدينة الحديدة.إطلاق سراح الرهائن من أبناء شيوخ القبائل الذين كان يحتفظ بهم الإمام يحيى في السجن حتى لا يخرج آباؤهم على طاعته.سن تشريع سريع للقضاء على استعمال السم الأخضر المعروف بالقات واقتلاع جميع أشجاره.
محاولات كسب الإعتراف الدولي
في 11 مارس 1948 أرسل عبد الله الوزير برقيات إلى ملوك ورؤساء الدول العربية، وسفراء بريطانيا وفرنسا وروسيا وأمريكا في مصر، تحذر من أن صنعاء في خطر عظيم، مما أسماهم بالقبائل المتوحشة، وطلبت حكومة الثورة من جامعة الدول العربية الاعتراف بها، فأرسل عبد الرحمن عزام أمين عام الجامعة لجنة تمهيدية إلى صنعاء، للقيام بالتحريات عن أحوالها ومعرفة طبيعة ما يجرى في البلاد، وتولى رئاسة اللجنة عبدالمنعم مصطفى، والدبلوماسى الدكتور حسن إسماعيل الذي اتضح بعد ذلك أنه من الإخوان، وخرجت طائرة مصرية حربية تقل وفد الجامعة، وكان يقود الطائرة عبد اللطيف البغدادى عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو1952 واستقرت البعثة في صنعاء أسبوعين، وطلب الدكتور حسن إسماعيل من الطيار عبد اللطيف البغدادى، إلقاء منشورات في تعز والحديدة وغيرهما من مدن اليمن، لتأييد الثورة ودعوة اليمنيين إلى الهدوء.
بريطانيا
طلب الأمير إبراهيم من حاكم عدن "ريحنالد شامبيون" طائرة تابعة للسلاح الجوي الملكي البريطاني تقله إلىصنعاء. وطلب عبد الله الوزير من حاكم عدن المساعدة. وكان الحاكم يعرف مساوئ حكم الإمام يحيى حميد الدين ويميل لتأييد الثورة. ولكنه ترد في الاستجابة لهذه الخطوة فهي تعني الاعتراف بالنظام الثوري الجديد في اليمن وبعث إلى لندن يطلب رأيها.
بحثت وزارة الخارجية البريطانية الموقف من جميع نواحيه وأعدت مذكرة جاء فيها : "الشواهد لدينا غير كافية لنحدد ما إذا كان الحكم الجديد قد استقر كما يدعى. ولكن اثنين من أبناء الإمام السابق –وهما سيف الإسلام أحمد وسيف الإسلام الحسن- ما زالا طليقين وقد يحاولان القيام بتمرد مضاد.
وإذا كان عبد الله الوزير قد جاء ليبقى فهناك ميزات واضحة في تبني موقف ودي تجاهه في الحال. وأية مساعدة تقدمها بريطانيا له ستترك انطباعا هائلا.. أما الحياد الفاتر فلن يكون لصالح بريطانيا فيما بعد.
وإذا كان على بريطانيا مساعدة الثورة الآن والاعتراف بها فورا فعلينا أن نضرب الحديد وهو ساخن. ونطلب السماح بتمثيل دبلوماسي بريطاني في صنعاء ورسم الحدود بين اليمن ومحمية عدن على أساس معاهدة صنعاء 1934 وإذا أيدنا من البداية نظام الحكم الجديد فستكون أمامنا فرصة أفضل لضمان موافقة يمنية على هذين الاقتراحين ، ومن ناحية أخرى إذا ألزمنا أنفسنا بالاعتراف بنظام حكم سوف ينهار فإننا بطبيعة الحال –سنكون في موقف أسوأ.
وجدت الحكومة البريطانية "أن الثورة لم تستقر تماما" . وطلبت من حاكم عدن أن يرفض طلب الأمير إبراهيمبإعطائه طائرة وأن يتحسس –الحاكم- خطواته ببطىء ، وكان القرار البريطاني يعني الانتهازية.. والانتظار حتى تستقر الثورة ، ولكن الأمير إبراهيم لم ينتظر بل قام وزملاؤه بالسفر إلى صنعاء بطريق البر.
وبذلك اكتمل مجلس الثورة اليمني وفي الحال اتخذ قرار بتعيين سيف الحق إبراهيم رئيسا للوزراء وعلى الوزير رئيسا لمجلس الشورى رفض سيف الإسلام عبد الله –شقيق الإمام أحمد – الاعتراف بعبد الله الوزير إماما.
موقف الدول العربية والجامعة العربية من الثورة
كانت معظم دول الجامعة العربية السبعة نظماً ملكية وهي مصر والسعودية والعراق واليمنوالأردن، بينما كانت كل من سوريا ولبنان ذات نظام جمهوري، ولذلك كانت سوريا ولبنان أكثر ميلاً وتعاطفاً مع الثورة علي عكس باقي دول الجامعة العربية التي اتخذت موقفا عدائيا من الثورة وكانتالأردن الأصرح في عدائها للثورة، والأسرع للأعتراف بأحمد ملكاً لليمن، كما كانت السعودية أكثر عداءً للثورة، وساهمت علي نحو إيجابي في مساعدة أحمد سواء بالمساعدة المادية العسكرية، أو عن طريق التأثير في وفدالجامعة العربية، وعرقلته عن الوصول لليمن، وإن كانت قد اتخذت في الظاهر الموقف التي اتفقت عليه دولالجامعة العربية، وهو الوقوف علي الحياد، حتى يسافر وفد الجامعة العربية لليمن ويحقق بنفسه الوضع علي الطبيعة.
الجامعة العربية
استأجر الإخوان طائرة خاصة أقلت عبد الحكيم عابدين السكرتير العام للجماعة و أمين إسماعيل سكرتير تحرير صحيفة الإخوان و عبد الرحمن نصر مدير وكالة الأنباء العربية. وحمل الوفد معه مكبرات للصوت بهدف دعوة القبائل لتأييد الثورة. كان في انتظار وفد الجماعة بمطار صنعاء الأمير محمد البدر الابن الوحيد للسيف أحمد و حسين الكبسي وزير الخارجية وعدد من الوزراء ، أصبح عبد الحكيم عابدين خطيب الانقلاب في إذاعة صنعاء ، وكان يساعده في الخطب ووضع برامج الإذاعة الإخوان المسلمون المصريون الذين يعملون مدرسين في صنعاء.
عادت الطائرة إلى جدة تقل وفدا يمنيا للقاء ممثلي الجامعة العربية يتألف من نجل الإمام الجديد عبد الله بن على بن الوزير ، و الفضيل الورتلاني ، ووزير المعارف في حكومة الثورة محمد محمود الزبيري لشرح الموقف في اليمن للملك عبد العزيز.
طلبت حكومة الثورة من دول الجامعة العربية الاعتراف بها... ودعت وفدا من الجامعة لزيارة اليمن يراسه عبد الرحمن عزام الأمين العام ليرى استقرار نظام الحكم الجديد في البلاد.
قررت الجامعة إرسال بعثة تمهيدية لليمن كمقدمة لإرسال وفد من الجامعة العربية يمثل جميع دول الجامعة برئاسة عبد الرحمن عزام أمين عام جامعة الدول العربية إلي اليمن لمعاينة الوضع علي الطبيعة والاتصال بالطرفين، ووضع تصور لحل الأزمة.
ومن المهم التوقف عند ما ذكره حسين حسني سكرتير الملك فاروق وعضو وفد الجامعة العربية إلياليمن عن هذا الوفد ومهمته، حيث تعتبر روايته، شهادة شاهد عيان، كما تكشف شهادته الموقف الحقيقي لمصر والسعودية من الثورة، فبعد وصول أنباء الثورة وفي لقاء له مع الملك فاروق تناول أحداثاليمن، اقترح – حسب روايته – أن تتولى الجامعة العربية تشكيل وفد يمثلها للذهاب إلي اليمنلاستطلاع الحالة هناك عن كثب ومعرفة حقيقة الأمور، واتخاذ قرار جماعي للاعتراف بالسلطة التي ارتضتها أغلبية الشعب هناك، وأن هذا الاقتراح يتفادي أي خلاف بين الدول العربية، إذا انفردت كل دولة بالعمل بمفردها، ويضيف أنه أقترح أن يكون السفر علي إحدى بواخر خفر السواحل المصرية، حتى يمكن إيواء الأمير أحمد وأفراد أسرة الإمام إذا تبين أنهم مشردون يبحثون عن مأوي، كما ذكرت الأخبار في ذلك الوقت، كما أن السفينة يمكن اتخاذها قصراً أو مركزاً لوفد الجامعة أثناء مقامه فياليمن إذا اقتضت الأحوال لذلك يجب التريث في الاعتراف بالنظام الجديد، وقد وافق الملك علي اقتراحاته، وكلفه بتمثيل مصر في وفد الجامعة، والاتصال بعزام باشا لتشكيل وفد الجامعة، وتم إعداد الباخرة فاروق للقيام بمهمة نقل الوفد إلي اليمن.
ويوضح حديث حسين حسني مع الملك فاروق أنه صاحب فكرة إرسال وفد الجامعة العربية لليمن وهو القرار الذي اتخذته اللجنة السياسية للجامعة العربية، كما يتضح تعاطفه مع سيف الإسلام أحمد – بالرغم من أنهزاراليمن عام 1929 كما تم الإشارة إلي ذلك، ويعلم سوء الأوضاع به - كما أنه وراء عدم المبادرة للاعتراف بالنظام الجديد، ومن الملاحظ أنه لم يذكر أي شيء علي لسان الملك فاروق يوضح موقفه بصراحة، فكل الحديث علي لسانه مع إقرار الملك فاروق لآرائه واقتراحاته، والتي كانت تتلاءم بطبيعة الحال مع مصلحة الملك فاروقالشخصية، فقد كان من الصعب علي نظام ملكي تقبل اغتيال أحد الملوك بهذه الصورة، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى به ضد النظم الملكية الأخرى.
وقد غادرت بعثة جامعة الدول العربية صباح يوم 28 فبراير 1948 مدينة السويس برأسه عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربة وأعضاؤه الشيخ يوسف ياسين نائب وزير الخارجية السعودي و مظهر أرسلان باشا عن سوريا و عبد ا لجليل الراوي عن العراق و تقى الدين الصلح عن لبنان و مدحت جمعه عن الأردن. واستقلوا الطرادة "فاروق" متجهين إلي جدة لمقابلة الملك عبد العزيز آل سعود، والأمير فيصل وزير الخارجية علي أن يغادر جدة إلي الحديدة ميناء اليمن الأول، وقد أخذ الوفد معه سيارتي جيب لاستخدامها في التجول في المناطق اليمنية، وكذلك آلة لاسلكية للاتصال بالطرادة فاروق، وكذلك كان هناك طائرة مصرية تحت تصرف الوفد لسرعة الاتصال والتنقل إذا اقتضى الأمر. ووصل الوفد إلى جده. ثم سافر إلى الرياض بدعوة من الملك عبد العزيز للقائه
بعد وصول الوفد إلي جدة، تأخر رحيله منها إلى اليمن ، قابلوا الأمير فيصل الذي أطلعهم علي آخر البرقيات الواردة من اليمن، والتي كانت تؤكد ازدياد موقف حكومة ابن الوزير سوءاً، وأن أحمد كان يزداد قوة، حتى بات ينتظر دخوله صنعاء بين لحظة وأخرى، وأن أحمد يرجو من وفد الجامعة العربية تأجيل موعد السفر إليها قليلاً، وإزاء هذه الأخبار تبين للوفد أنه لم يعد هناك ما يدعو للتعجل بالسفر إلي اليمن، واقترح عليهم الأمير فيصل أداء العمرة، علي أن يتوجه الوفد بعد ذلك إلي الرياض تلبية لدعوة الملك عبد العزيز لزيارته يوم 4 مارس والتي هدفت إلى منح الأمير أحمد الوقت الكافي لتعزيز قواته قبل وصول بعثة الجامعة العربية إلى اليمن ، وبالفعل توجه الوفد إلي الرياض، لمقابلة الملك عبد العزيز، وظل الوفد بالرياض حتى سقطت صنعاء في يد قوات سيف الإسلام أحمد.
وهكذا لم يؤد وفد جامعة الدول العربية أي دور يذكر حتى سقطت صنعاء، وتم استباحتها من جانب القبائل، وهي النتيجة التي عملت لها معظم دول الجامعة، وتحديداً مصر والسعودية والعراق والأردن، وهو ما يمكن استنتاجه من مواقف هذه الدول.
انقسام البعثة تجاه الثورة
وقف ممثلو مصر و الأردن و المملكة العربية السعودية موقفا معارضا للثورة بينما أبدى ممثلا لبنان وسوريا تعاطفا معها. وقال رياض الصلح رئيس وزراء لبنان في 26 فبراير 1948 أنه رأي الإمام عبد الله الوزير إمام اليمن الجديد مرة في موسم الحج فأعجب برجولته وحبه للإصلاح وأن اليمن في عهده تفتح أبوابها للبعثات العربية ورجال الصحافة.
الأردن
فالأردن اتخذت موقف عدائيا من عبد الله الوزير منذ البداية، ولم تلق بالا للموقف الذي اتخذته الدول العربية بالتزام الحياد حتى يذهب وفد الجامعة العربية إلي اليمن، ويدرس الأوضاع علي الطبيعة، فقد صرح الملك عبد الله "إن الإمام الحق في اليمن هو سيف الإسلام أحمد، واغتيال المغفور له الإمام يحيى حميد الدين أمر مخيف إذ يجعل كل من يطمع في مقام أو منصب يستهين بالإقدام علي مثل هذا العمل الفظيع فيهز البلاد هذا الهز العنيف".
كما أعلن سيف الإسلام عبد الله من باريس – كان عبد الله شقيق أحمد يشغل منصب رئيس وفد اليمن في الأمم المتحدة، وكان متواجداً بباريس لحضور دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة – أنه تلقي برقية من ملكشرقالأردن يعلن تأييده للأمام أحمد تأييداً مطلقاً باعتباره الوارث الشرعي لمملكة اليمن.
كما أرسل الملك عبد الله رسالة إلي عزام باشا طالب فيها بتطبيق الآية القرآنية:
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات:9).
وأن الباغي هو أبن الوزير، والمبغي عليه هو يحيى، وحذر من أن عدم تطبيق ذلك، سيفتح باب الفتنة عليدولالجامعة العربية، بحيث يتمكن أهل الأغراض من الوثوب علي حكوماتهم بدعوى الإصلاح، وأوضح أنه تلقي كتاب من الأدارسة يطالبون بحقهم في الإمارة الإدريسية التي اغتصبتها اليمن والسعودية، ويرجون منه تعضيدهم في الجامعة، وأوضح أن هذا الأمر سوف يفتح الباب أما الكثير من المطالب، وأعرب عن اعتقاده أنه - أي عزام - قد وجد في الرياض هذه الحقائق، وأن في حكمة الملك عبد العزيز، وتجاربه السابقة، ما يجعله يسلك خير السبل.
العراق
أما العراق فقد كان الموقف لا يقل عداءً عن الأردن، وإن كانت أعلنت أنها لن تعترف بحكومة عبد الله الوزير إلي أن يعود وفد جامعة الدول العربية من اليمن، ويقدم تقرير للجامعة عن الحالة هناك، وقد أعلن عبد الإله الوصي علي عرش العراق الحداد العام علي الإمام يحيى في جميع أنحاء البلاد لمدة 10 أيام، وتنكيس الأعلام علي دور الحكومة، وقد نشرت الأهرام أن الدوائر السياسية في بغداد تتوقع أن تقاطع الدول العربيةعبد الله الوزير، لأنها ترتاب أن يكون ضالعا في مؤامرة اغتيال يحيى وأنه يجب أن يتولي العرش سيف الإسلام أحمد بصفته ولي العهد.
السعودية
أما السعودية فقد مر بنا أن أحمد قد سارع إلي إرسال رسالة إلي الملك عبد العزيز عقب اغتيال والده، وأن الملك أمده بالمال والذخيرة ووعده بالمساعدة، كما ذكر الشماحي، كما مر بنا موقف الملك عبد العزيز خلال المحاولة التي قامت بها منظمة هيئة النضال للاتصال به، وكسب تأييده للثورة.
ولعل البرقية التي بعث بها القائم بأعمال المفوضية الأمريكية في جدة ريفز شايلدز تصور علي نحو دقيقموقفالسعودية، كما توضح الحديث عن المساعدات التي قدمتها السعودية لأحمد.
فقد أوضح ريفز أن الملك عبد العزيز كان من الممكن أن يميل لتأييد الوزير لولا وسائل العنف التي وصل بها إلي الحكم، كما أن تأييد حاكم وصل إلي السلطة بوسائل عنيفة، وتخطي الأمير أحمد يمكن أن يصبح سابقة ودافعاً لإثارة بعض المجموعات أو الفئات أو حتى بعض أفراد الأسرة السعودية الساخطين، كما أن أحمد أقل استعداداً لإدخال إصلاحات دستورية يمكن أن تؤدي للمطالبة بمثلها في السعودية.
ويذكر أن الملك استطاع إرسال مبعوثين إلي اليمن فوراً لجمع التأييد لأحمد وتدعيم المقاومة ضد عبد الله الوزير، مستغلاً نفوذه الكبير على سكان اليمن غير الشيعيين، كما أن هناك تلميحات بأن توزيع كمية صغيرة من النقود علي الشخصيات الهامة باليمن، الموجودة في موقع السلطة يمكن أن تؤثر بدورها علي عدد كبير من السكان، بالرغم من حرص ريفز على التأكيد أن مصادره تستطيع تقديم أي دليل إيجابي علي هذه المساعدة.
وقد أوضح الملك عبد العزيز موقفه بوضوح لأعضاء وفد جامعة الدول العربية أثناء استقباله لهم في الرياض، حيث أعرب أمام جميع الحاضرين عن شدة أسفه وتأثره لما لقيه الإمام يحيى من نهاية بشعة بعد طول جهاد في سبيل حفظ كيان بلاده، والدفاع عنها، واستنكر جرأة من اقترفوا الجريمة علي طلب النجدة والمعونة، باسم الحفاظ علي الأمن وحماية الأرواح من عدوان اللصوص، وهم الذي سفكوا الدماء، "ولكن عين الله لا تغفل ولسوف تدور عليهم الدوائر من قريب، كما تشير إلي ذلك كل الأخبار الواردة إلي اليمن".
كما وزعت وزارة الخارجية السعودية علي كل أعضاء الوفد صورة تقرير احتوي علي ملخص واف لكل المعلومات المتعلقة بما حدث في اليمن منذ اللحظة الأولي، وقد احتوى علي تفاصيل اغتيال يحيى، والبرقيات التي وردتمنعبد الله الوزير إلي الملك عبد العزيز طالباً العون والمساعدة، وتمسك الملك بالحياد بين المتنازعين حتى تصدر الجامعة قرارها في الموقف بأكمله.
وبالرغم من الحديث عن المساعدات التي قدمتها السعودية لأحمد من ذخيرة وسلاح ومال فإنه يمكن القول أن المساعدة الفعالة من جانب السعودية تركزت في عاملين اثنين:-
الأول :- عرقلة عمل وفد الجامعة العربية عن طريق استدعاء الوفد إلي الرياض، وتأخير وصوله إلياليمن حتى ينتهي أحمد من القضاء علي الثورة.
الثاني :- استغلال نفوذ الملك عبد العزيز علي شوافع اليمن، لتجنب انضمامهم إلي جانب الثورة، بالإضافة إلي اكتساب دعمهم لأحمد.
أما الحديث عن الأسلحة والمساعدات العسكرية التي تحدثت عنها بعض المصادر، فإنها - إن صحت - لم يكن لها دور في حسم المعركة لصالح أحمد، حيث قامت القبائل المسلحة، التي حركتها دعاية أحمد، بالدور الأكبر في حسم المعركة عسكرياً، بالإضافة لانضمام قطاعات من الجيش النظامي لصالح الأمير أحمد.
مصر
أما مصر فقد أعلنت الحياد بصفة رسمية، وصرح وزير الخارجية بأن مجلس الوزراء ناقش الحالة في اليمن، وأن الرأي استقر علي أن تقف الحكومة المصرية موقف الحياد مع بذل مساعيها للتوفيق بقدر المستطاع.
ولكن بالتأكيد كان موقف فاروق مطابقاً لملوك العرب الآخرين، ولعل ما سبق ذكره عما دار بين حسين حسنيوالملك فاروق عن أحداث اليمن، والذهاب لليمن عن طريق البحر بدلاً من الطائرة ما يوضح موقف الملك المؤيد لأحمد، وهو الأمر الذي يتضح جلياً من حديث حسين حسني عن أحداث اليمن، وتأييده لأحمد، بل إنتعيينحسين حسني نفسه كممثل لمصر يوضح موقف الملك فاروق، واهتمامه بالأحداث في اليمن.
ويذكر حسين حسني أنه بعد إبحار الطرادة "فاروق" جرت مناقشة بينه وبين عزام باشا بحضور أعضاء الوفد، تناولت الخطة الواجب القيام بها للاتصال بطرفي النزاع، حيث يوجد عبد الله الوزير في صنعاء، بينما أحمد مجهول المكان، وكان رأي عزام أنه من الأفضل التوجه رأساً إلي صنعاء، والتفكير بعدها فيما يمكن عمله للاتصال بالأمير أحمد، وهنا أبدي حسين حسني خشيته من أن تتخذ حكومة الانقلاب من هذا التصرف سبباً للإدعاء بأنالجامعة العربية قد اعترفت بها، وهو الأمر الذي يسئ إلي الأمير أحمد وأنصاره لما ينطوي عليه ذلك من تجاهل لمركزه الشرعي كولي للعهد.
الاعتماد على الجامعة العربية
وهكذا كان موقف أغلب الدول العربية الذي اتسم بالعداء من ثورة اليمن، باستثناء لبنان وسورياالتي أبدتا بعض التعاطف مع ثورة اليمن، فقد صرح رئيس وزراء لبنان أنه رأي إمام اليمن الجديد في موسم الحج فأعجب برجولته وحبه للإصلاح، وأن اليمن بدأت في عهده تفتح أبوابها للبعثات العربية ورجال الصحافة، وأبدي أسفه لظروف وفاة يحيى ونوة بفضلة في منع التدخل الأجنبي في بلاده.
وفي الوقت الذي كانت فيه دول الجامعة العربية تتخذ هذا الموقف العدائي من الثورة في اليمن كانت الثورة تعتمد أساسا على جامعة الدول العربية، واستصراخ الدول العربية في تقديم الدعم لها لمواجهة سيل القبائل الزاحفة علي صنعاء دون جدوى، بعد أن رفعت هذه الدول راية التمسك بالحياد بين الطرفين، حتى يذهب وفد الجامعة إلي اليمن، وهو الوفد الذي لم يقدر له أن يري اليمن أبداً، بفعل المناورات والمراوغات، وتضييع الوقت من جانب بعض الدول العربية.
بداية التدهور
اجتمع مجلس الشورى لأول مرة في تاريخ اليمن وأدى الإمام الجديد اليمين الدستورية وأقسم بالعمل على سعادة اليمن وأهلها ، أفرجت الثورة عن أكثر من ثلاثة آلاف من المعتقلين ، طلب الإمام الجديد رؤية المرشد العام حسن البنا ولكن الحكومة المصرية منعت سفره ، وفي القاهرة أعلن سيف الإسلام عبد الله أنه تلقى برقية من شقيقه الأمير أحمد يعترض فيها على نشاط الإخوان المسلمين في اليمن.
عجز عبد الله الوزير عن تدبير المال لدفع رواتب الجيش المتأخرة وتأمين ولاء القبائل بالمنح. وتصل القبائل إلىصنعاء لمبايعة عبد الله الوزير ويبقى جانب من رجالها في صنعاء لنهب وسلب الحي اليهودي ومحلات المسلمين التجارية.
نشر سيف الإسلام أحمد الشائعات بأنه محاصر في حجة على مسافة خمسين ميلا من صنعاء وأن القبائل ترفض الانضمام إليه ، وأعلن الأمير أحمد أن نظام الثورة يحظى بمساندة السلطات البريطانية وناشد الأمير –في حجة- القبائل أن تهب ضد الملك الذي عينه البريطانيون ، وأطلق شائعات بأن الطائرات البريطانية حلقت فوق صنعاء بعد يوم من الاغتيال ، وأنها أسقطت منشورات ، قوبلت هذه الأنباء بالتصديق من سكان اليمن فإن رئيس الوزراء القتيل كان أكثر المسئولين تمتعا بحب الناس وقبيلته تعتبر أقوى القبائل في شمال اليمن.
إفشال الثورة وحصار صنعاء
نجح أحمد في تدعيم موقفه، وإضعاف مركز عبد الله الوزير الروحي، بفعل دعايته بين القبائل عن الثأر لوالده، واستعانة عبد الله بالأجانب، فضلاً عن إباحته صنعاء للقبائل اليمنية، حاولت قيادة الثورة التحرك عسكرياً لمواجهة أحمد في معقله بحجة، فتم في بداية الأسبوع الثاني من الثورة إرسال حملتين عسكريتين الأولي بقيادة محمد بن علي الوزير لقيادة حملة عمران حجة والثانية بقيادة محمد بن محمد الوزير لقيادة حملة شبام حجة، وبالرغم من خطورة النتائج المترتبة علي نجاح أو فشل هاتين الحملتين بالنسبة إلي الثورة، إلا أن الإعداد لهم قد إتسم بالارتجالية، وسوء التخطيط، فقد ذهبت الحملتان علي السيارات دون أن يكون لهما طلائع أو مؤخرة، تحمى الحملتين من أي هجوم مباغت، وتؤمن الاتصال بصنعاء.
ففي الحملة الأولي علي عمران بقيادة محمد بن علي الوزير، فإنه واجهة خضم هائل من القبائل المتهيئة للانقضاض عليه، وقرر الانسحاب قرب صنعاء حتى تصل إليه الإمدادات، إلا أن القبائل لم تدع له الفرصة فالتفت حوله القبائل وسيطرت علي المرتفعات، وحالت بينة وبين الانسحاب، ولم ينقذ الحملة من مصيرها المحتوم إلا شجاعة محمد بن علي الوزير، الذي استطاع الانسحاب، والعودة إلي صنعاء.
أما الحملة الثانية علي مدينة شبام حجة بقيادة محمد بن محمد الوزير فقد كان مصيرها أسوأ من حملة عمران، فقد استطاع دخول مدينة شبام دون أن يحتل كوكبان والمرتفعات المشرفة علي شبام، فأطبقت جيوش أحمد الذي كان يقودها علي بن حمود عليه من كل جانب، واستسلم محمد بن محمد الوزير، والقي القبض عليه، وسيق مع عسكره إلي حجة، ولم يثبت من حملة شبام إلا الشيخ عبد الله أبو لحوم الذي قاتل ببسالة برغم موقفة الحرج وفي النهاية استسلم لقوات أحمد بعد أن حصل علي العفو والأمان، وأن يذهبوا لأحمد مسلمين ومبايعين له بالإمامة لا كأسرى.
وهكذا انتهي التحرك العسكري لمواجهة أحمد بالفشل الذريع، وازداد مركز أحمد قوة وأصبح الحاكم الحقيقي علي قبائل الشمال والشرق والغرب الشمالي، وأخذت القبائل تتصل بأحمد ويتقربون إليه وتنفض من حول عبد الله الوزير، بحيث أصبحت صنعاء في نهاية الأسبوع الثاني للثورة في موقف تكاد فيه أن تقطع صلتها بالقسم الجنوبي والغربي، بينما تزحف القبائل من الشمال.
لقد وقعت قيادة الثورة في خطأ التركيز علي حشد قواتها، ودفعها إلي ضواحي حجة للهجوم علي مقر قيادة أحمد، دون أن تعطي أي اهتمام ببقية المناطق مما أدي إلي ضياع الفرصة من يد الثوار في الدفاع عن الثورة، وقد عمل أحمد علي استغلال هذا الخطأ أفضل استغلال، فوجه رسائله إلي كل المناطق الشمالية والشرقية يستحثها علي مناصرته، ودعمه ضد قتلة والده الذين باعوا البلاد إلي النصارى، وبذلك نجح في استنفار القبائل لصالحة، وقد اتضح ذلك جلياً في مواجهة القبائل للحملتين التي بعثت بهم الثورة إلي ضواحي حجة.
وقد بدأ الحديث منذ نهاية الأسبوع الثاني علي قيام الثورة بفرض الحصار علي صنعاء، ففي 28 فبراير أبرق الأمير أحمد إلي علي المؤيد طالباً منه "أخبر من يلزم ومن يهمهم الأمر في مصر يجب ألا تقوم أية طائرة إلي صنعاء لأن القبائل كلها والجيش ثائرون معنا، والحرب قائمة الآن في حباري وعصر والصوفية وبيت معاد وظهير الحمار".
وكل هذه المناطق التي ذكرها أحمد كانت لا تبعد عن صنعاء بأكثر من كيلو مترين اثنين، كما أبرق إلي علي المؤيدفي 29 من نفس الشهر ذاكراً أن "صنعاء الآن شبة محصورة من جميع الجهات وأكثر الجيش النظامي قد وصل إلينا بمعداته من جميع المراكز الخارجية، وفرارها بالسلاح من صنعاء جار إلينا".
وقد أيد ما جاء في هذه البرقية ما جاء في اعترافات جمال جميل بعد القبض عليه من أن الجيش فر وانضم إلي أحمد بالأسلحة، التي وزعتها عليه حكومة الوزير.
وفي الوقت التي بدأت قوات أحمد تحيط بالعاصمة، تحرج موقف عبد الله الوزير الذي أصبح كل تركيزه منصباً علي استعجال حضور وفد الجامعة العربية، ومناشدة الدول العربية تقديم العون والمساعدة، وتوالت كتب عبد الله الوزير للدول العربية فأرسل إلي السعودية والعراق، طالباً إمداده بطائرات ودبابات لمواجهة القبائل الزاحفة نحو العاصمة للسلب والنهب، معتقدين أن العاصمة مليئة بالأموال "ونحن نطلب إليكم ذلك في سرعة وإلحاح، وليس باسم الملك والحكم إن شئتم ولكن باسم المحافظة علي الأمن فقط ولكم الحكم العدل بعد تأديب اللصوص ولمس الحقائق كما ترون أنتم والجامعة".
وكان رد الملك عبد العزيز تمسكه بالحياد حتى يصدر حكم الجامعة العربية، أما العراق فلم ترد علي رسالة عبد الله الوزير من الأساس.
وقد أدي الموقف السلبي للجامعة العربية، وتزايد مركز أحمد قوة إلي تهديد ابن الوزير باللجوء للأجانب، وذلك في برقية لعزام جاء فيها "بعد أن ثبت تردد الجامعة العربية واكتفاؤها بالتفرج من بعيد ننذركم إلي أنه إذا لم تبادروا إلي القيام بواجبكم أننا سنستعين بغيركم صراحة للضرورة الملحة مسجلين عليكم نتيجة هذا العار الشنيع".
كما بادر عبد الله الوزير إلي إرسال وفد منه إلي الرياض لمقابلة الملك عبد العزيز، ووفد الجامعة العربيةلاستعجال وصول الوفد إلي صنعاء، وقد تكون الوفد من علي الوزير، والقاضي محمد الزبيريوالفضيل الورتلاني، وقد استقل الوفد الطائرة المصرية التي أقلت وفد الإخوان المسلمين إلي صنعاء حيث وصل جدة في 6/3/1948، ومنها توجه إلي الرياض.
وقد قابل الوفد اليمني الملك عبد العزيز ووفد الجامعة العربية، حيث ذكر الوفد أن الأكثرية تؤيد الحكم الجديد، وأن أحمد فر إلي حجة، وهو يوزع الأموال والمنشورات علي رجال القبائل تدعوهم للهجوم علي صنعاء لنهب ثروة الإمام، وأن هذه الأموال ملك لجميع اليمنيين، وأن القبائل تحاول الهجوم علي صنعاء للسلب والنهب، كما أعلن الوفد اليمني الرغبة في الإصلاح وتعليق أهمية كبيرة علي الجامعة العربية لإنقاذهم، وأعربوا عن استغرابهم لتقاعس جامعة الدول العربية عن التدخل السريع، كما أعلن الوفد أنهم لا يطالبون المساعدة لتدعيم موقفهم فهذا يتركونه للجامعة والملك، ويفوضهم في إجراء ما يرونه صالحاً للتهدئة، وحذروا من اصطدام القبائل وإثارة أحقاد خامدة منذ 40 عاماً.
وقد تكلم الملك عبد العزيز، وأعلن استنكاره لقتل يحيى، وأنه لا يقر الطريقة التي صعد بها عبد الله الوزيرإليالحكم بالرغم من ولاء الوزير له، وعدائه لأحمد، وأعلن تمسكه بالحياد، كما استنكر الملك ووفد الجامعة تهديد الوزير باللجوء للأجانب، وقد أوضح أعضاء الوفد اليمني أن المقصود شراء السلاح من الأجانب، وليس الارتماء في أحضانهم.
وحسب رواية علي الوزير أن الملك عبد العزيز قال لهم أنتم تعلمون أن أحمد هو الذي أرسل أولئك النفر المعتدين الذين أرادوا اغتيالي أنا وسعود في الحرم الشريف، ولكن لا يمكنني الآن إلا إظهار الحياد التام.
وحاول الوفد مقابلة عزام لتذكيره بوعوده لهم، وإرسال طائرتين لإخافة القبائل، إلا أن عزام اعتذر بأنه مصاب بالبرد، ثم أجتمع به الوفد بعد ذلك منفرداً فأقسم أنه مصمم علي ذلك، ولكنه يقود سيارة بدون عجل، وكان آخر كلام عزام للوفد "أنا أعرف أنكم وقضيتكم علي الحق ولكني غلبت علي أمري فماذا أصنع لكم".
وأثناء تواجد الوفد اليمني في السعودية كانت الأحوال تزداد سوءاً، حيث أطبقت القبائل علي العاصمة من كل جانب، وبدأ الخناق يضيق، بحيث أصبحت العاصمة محاصرة بالكامل، وزاد من سوء الأحوال القبض علي عدد كبير من أبرز المعارضين اليمنيين، وعلي رأسهم أحمد محمد نعمان الذي كان معيناً وزيراً للزراعة فيالحكومةاليمنية الجديدة، وكان أحمد نعمان وغيره من قادة الأحرار في عدن، قد توجهوا إلي اليمن عقب نجاح الثورة بطريق البر حيث وصلوا إلي تعز وآب، وقد أراد نعمان التوجه إلي صنعاء بعد أن قضي فترة قصيرة في تعز، بالرغم من وصول الأنباء عن الأحوال السيئة في صنعاء، ولكنه صمم علي الذهاب تدفعه الحماسة دون أن يصغي السمع لمن حذروه من مواصلة رحلته، حتى وصل إلي ذمار حيث وقع في الأسر هو ورفاقه.
وتكرر الوضع بالنسبة لزيد الموشكي الذي كان يريد التوجه إلي صنعاء، وغادر تعز متجهاً إلي الحديدة، حيث القي القبض عليه هو والخادم غالب ورفاقهم بينما تمكن عدد من الثوار من النجاة بأنفسهم إلي خارج اليمن.
لقد شكل القبض علي قادة الأحرار الذي تزامن مع الحصار المحكم حول صنعاء ضربة جديدة للثورة اليمنيةخاصة بعد أن انقلب الكثير من الذين أظهروا تأييدهم للثورة عليها حتى في المدن التي خضعت للثورة مثل تعز وآب والحديدة.
ولجأ عبد الله الوزير وقيادة الثورة إلي إرسال برقيات الاستغاثة إلي الجامعة العربية ورؤساء وملوك الدول العربية بتاريخ 12/3/1948 – أي قبل يوم واحد من سقوط صنعاء – الذي جاء فيها" لقد حكمنا الجامعة العربيةوصارت مسئولة عن الحالة في اليمن ونحن الآن لا نطلب من الجامعة ولا من الحكومات العربية مساعدتنا وتأييدنا بعد التحكيم ولكنا نطلب إنقاذ عشرات الآلاف من سكان صنعاء من هجمات القبائل المتوحشة بإرسال طائرات تفرق شملهم حتى يستطيع القائمون بالأمر في صنعاء المحافظة علي النفوس والأموال والذخائر إلي أن يصل وفد الجامعة ويقرر مصير اليمن، ولا يستطيع أحد من المسئولين وقف هذه العصابات الثائرة لأن مبدأها النهب والسلب والدليل علي هذا أنهم نهبوا قصر الإمام الراحل في الروضة خارج صنعاء فلم يبق إلا أن توقفوا أنتم بأنفسكم هجمات القبائل حتى يجري التحكيم في جو هادئ.
كما اجتمعت قيادة الثورة لمواجهة هذه الأخطار، وتم وضع خطة لمواجهة الموقف تقوم علي أساس اتخاذ تعز عاصمة ثانية لحكومة الثورة، واتخاذ رداع قاعدة عسكرية للثورة علي أن يقوم عبد الله الوزير إلي رداع لوضع القاعدة العسكرية للثورة، وتحصين المرتفعات المطلة علي صنعاء، وسحب كمية كبيرة من المال والذخيرة والمعدات الحربية من صنعاء إلي رداع.
إن هذه الخطة التي وضعت مع بداية الأسبوع الثالث من الثورة توضح الإحساس بالخطر الشديد، ومحاولة قادة الثورة البحث عن قاعدة عسكرية بديلة، واتخاذ عاصمة ثانية يمكن اللجوء إليها في حالة سقوط صنعاء، إلا أن هذه الخطة لم تجد طريقها للتنفيذ، ورفض عبد الله الوزير الخروج إلي قاعدة رداع، ويبدو أنه كان ما زال يحسن الظن بالجامعة العربية، وأن مركزه ما يزال قوياً بين القبائل، وأن مغادرته صنعاء قد يعرضها للسقوط.
وأمام المخاطر المحدقة، والحصار المحكم لصنعاء اقترح علماء صنعاء إجراء مفاوضات ومصالحة مع الأمير أحمد حفظاً للسلم، وصيانة للأرواح والأموال، وقد أبدي كل من الوزير وأحمد موافقته علي الاقتراح غير أن أحمد سرعان ما غير رأيه، وضاقت الحلقة علي صنعاء بالرغم من جهود جمال جميل للدفاع عن العاصمة، واتخاذه العديد من الترتيبات العسكرية للدفاع عنها، إلا أن جهوده ذهبت أدراج الرياح فلم يكن معه إلا عدد قليل من شباب المدارس والكليات الحربية وبعض أفراد من القبائل والجيش، بينما القبائل تزحف بقوة ومن كل صوب علي العاصمة، وتنضم إليها كتائب الجيش النظامي من كل مركز حتى من صنعاء حيث التحقت معظم الكتائب النظامية التي كانت بصنعاء وحولها بمعداتها بقوات أحمد.
وبينما كانت صنعاء علي وشك السقوط علي أيدي القبائل وقوات أحمد، كان الوفد اليمني يبذل محاولة أخيرة مع الملك عبد العزيز لإنقاذ الموقف، وقد تولي الفضيل التحدث باسم الوفد أمام الملك عبد العزيز حيث أوضح سوء الحال باليمن، وأن اليمن كلها قد بايعت عبد الله الوزير بالإمامة، وأن القبائل تقوم بالإغارة على صنعاء بقصد السلب والنهب، وطلب من الملك والجامعة العربية بإرسال بضعة طائرات من القنابل والدبابات لإرهاب هؤلاء اللصوص، وإذا تقاعست الجامعة العربية عن ذلك فمعناه أنها تحمي اللصوص وتدافع عنهم، وحاول الورتلاني الطعن في الجامعة العربية، فذهب الملك غاضباً وقال له "بل أنت اللص، أنت وزملاؤك الذين قتلتمالإمام يحيىولم تراعوا سنية التسعين ولا جهاده في سبيل استقلال اليمن وحمايتها من الأجنبي أربعين سنة". وهكذا فشلت مساعي الوفد اليمني، ليس ذلك فحسب بل كان عليه أن يغادر السعودية، فقد سقطت العاصمة صنعاء عقب هذه المقابلة، وكان علي الوفد أن يبحث عن مأوي يلجأ إليه.
سقوط صنعاء ونهاية الثورة
تعليقات
إرسال تعليق