الشاعر والمفكر عبد الله البردوني المقبوض عليه ثانياً
أتقول لي ؟ لست بمربكي
مِنْ كَم تركتَ؟ أتستثير تشكُّكي؟
هذا اسمك الحَرَكيْ كما سجَّلتَهُ
ما عدتُ أعرفهُ، نسيتُ تحرُّكي
هذا هو اسمك ما انمحى، فتَّشتُمُ
سنةً عن المرحوم «عيسى الدَّهْلكي»
انظر إليها.. تلك ليست صورتي
هذا غلامٌ دون قامةِ «نيزكي» «1»
***
قل لي، أتذكرُ هاهنا زنزانةً
كانت على وجَعي تقوم وتتَّكي
إن قمتُ أدمى سقفَ رأسي سقفُها
وإذا بركْتُ بها أقضَّت مَبْركي
الأخْشنُ المقرور منها مُدْنِفي
والأمْلسُ الحرَّان كان مُدَلِّكي
وعصاك تطبخني لها، تومي: كُلِي
هذا اللعين، ومثله كي تَسْمُكي
أتظنُّني زاولت غير وظيفتي
أينوب سَجْني عنك، إنَّك مَضْحكي
كانت تلفُّك يوم ذاك عباءةٌ
وعليك كوفِيَةٌ وجوخٌ ليلكي
وعليَّ فوق نزيف جلدي ما اسمهُ
ثوبي، وكان على الجراح مُشوِّكي
***
أيام كنتَ تشدُّني وتسُوطني
وإليك منك، إلى جنابك أشتكي
وأحاور الإنسان فيك وما هنا،
أحدٌ سوى مُسْتهلكي أو مُهْلكي
إن قلتُ رفقاً، قلتَ هَيّا يا يدي،
هُدِّي قوى هذا المكبَّلِ واسفكي
***
حتى اهتديتَ إلى مدى ذاتيَّتي
أوغلتَ بحثاً في أرومة مسلكي
فعرفتَ قِلَّة خِبرتي وثقافتي
وملكتَ سَّر تحوّلي وتفبرُكي
وأردتَ أسرار الرِّفاق فزدْتُ ما
لا علم لي، فصرختَ: أنت «مُدَرْبِكي»
قل ما رأيتَ وما سمعتَ ولا تزدْ
- داخلتُ أنفُسَهم أطلتُ تحكُّكي
***
مِن ذلك اليوم ابتدأتَ تصيخ لي
وأنا ابتدأتُ على يديك تنسكي
وبُعَيْدَ أيامٍ، إليك دعوتني
ألَمِقتلي؟ ألَمِخرجي مِن مظنكي؟
لا فرق يا هذي المنيَّةُ نَتِّفي
ما أبقت الأولى، ويا أُخرى العَكي
***
حتى وصلتُ إليك، زدتَ جهامةً
كي تستزيد على الحريق «تَمَعُّكي» «2»
وهنالك استرأيتَ «فكتور» الذي
يعلوك، واستفسرت شيخاً كرنكي
ومؤذناً يُرْدي على إفك الزنى
ويرى الزنان، لم يقل لا تأفكي
***
وظللتُ أحْدس، ما هنا يا خطّةً
أَضْنت جنون الحَبْكِ لا تتحبَّكي
وسألتَني: أتركتَ طيشَك كلَّهُ
- صدِّقْ تركتُ وقلتُ يا نفس اتركي
وأضفتَ: دع عنك القراءة واسترح
- شكراً لنصحك فَهْيَ سُّر تلبُّكي
فهمستَ لي: ستكون يوماً نافعاً
خذ هذه الآلاف، كن وَغداً ذكي
***
أأنا منحتُكَ؟ قبل عَشٍر هاهنا
ورأيتَ إذعاني وصدق تبُّركي
وأعدتَ لي تفصيلَ ما لقّنتني
وسمعتَ مني - يا فلان - تفذلُكي
***
فخرجتُ مِن أنياب غولك قَشَّةً
أجتُّر خاتمتي وبدءَ تأمركي
أنشقُّ، ألبَسُ قاتلاً يعتمُّ بي،
أغشى قتيلاً يستفز تمحُّكي
لا القاتل ارتاحت له نفسٌ، ولا
هجع القتيلُ، فأين غاية مَعْركي؟
***
أقبلتُ نحوي مِن هناك، فهل هنا
ثانٍ هناك؟ ومَن يحسُّ «تَنَهْنُكي» «3»
يا دربُ قل شيئاً، أجبْ يا غيمُ، يا
لغةَ السكوتِ تهاجسي أو سَكْسِكي
يا حرتكات «المرسديس» تعطَّلي
يا سِرَّة الأرض الدفينة حَرْتكي
***
كيف التويْتُ، دخلتُ أدغالاً بلا
حدٍّ، تشابُكها أضاف تشبُّكي
لاقيتُ كلَّ مُقرَّبٍ ومُسلَّطٍ
بِوُجَيْهِ قوَّادٍ وكفٍّ برمكي
أغدقتُ كي أبتزَّ أكثر فارتضوا
عَبثي، وزكَّوني وما فيهم زكي
***
مَن ذا هَداك؟ إليك منك تسكعي
مَا انفكَّ، زندُك مِن خناقي مُمْسكي
فخلصتُ منكَ إلى الترحُّل صائحاً:
يا أمَّ أروى «جمْهري أو ميْلِكي»
«يا دار عاتكة التي» قتلتْ أبي «4»
قولي لمن أحببتُ: لا تَتَعَيْتكي
***
ما دام عندي مبلغٌ يا وُجهتي
فتأفرقي، وتلندني، وتبلجكي
وهتفتُ: يا تلك المصادفة اصنعي
حَظّي، ويا تلك المهارةُ كنِّكي
يا صفقة الأفيون لا تتعثَّري
يا صفقة الأفلام لا تتوعَّكي
حُلْ يا رمادُ مجوهراتٍ في يدي
وبسحر نعلي يا رمال تَفَرْنكي
***
أأنا هدمتكَ وابتنيتكَ ثانياً؟
وعَمَرْتَ هدمي مِن حطام تفكُّكي
الأرض تُخْصبها الندوب، أمَا أنا
بعض التراب؟ فهادِمي «كمدمِّكي» «5»
***
أبعام سبعين انتميتَ؟ وبعدَهُ
أتْخمتم جيبي فذاب تمسُّكي؟
ما كنت مِن ذاك التحرك تنتوي؟
الآن سلني عن هموم «تورُّكي» «6»
ما كنتُ ثورياً صحيحاً إنما
حاربتُ فيكم يوم ذاك تَصَعْلُكي
***
اليوم لا أهذي بإفلاطون، لا
أدري المعّري «جعفريْ» أو «مزدكي»
ولذاك أنزل كلَّ فُطْرٍ أكتري
«شرتون» أشري ما يريد تهتكي
***
ويقال أني- رغم باريسيَّتي
وتأمركي، ما زلتُ «يحيى الشربكي»
أتحسُّني ما زلت كِنْديّاً؟ نعم
البنكنوت مُؤوْربي و«مُؤَنْتكي»
***
أعيادةُ التجميل ما أجدتْ ولا
هذي الخواتم، لا دهانُ مفرِّكي؟
قد صرتُ «سابستا» وكنتُ «محمَّداً»
ودُعِيتُ «ماترلا» وكنتُ «البهْنكي»
***
أصبحتُ قاروناً أجبْ كم تشتهي
مِنّي؟ فألفُ الألف ليس بمُنهكي
لي في «الزبيري» «فِلَّتان» ومنزلٌ
بمدينة «الِإسكان»، لستَ بمُدْركي!
***
خطَّطتَ مِن أيام سجنك للغنى؟
بل كنتَ أنتَ – وما دريت - مُتَكْتِكي
والآن لا أقوى عليك، فما ترى؟
هل أنت في هذي التجارة مُشْرِكي؟
لكنني لم أنتهش أحداً، ولا
إحتزتُ أسلحةً أقول لها افتكي
ماذا؟ أتسخر يا فلان؟ ألستَ مِن
إبداع سوطي مِن صياغة مَسْبَكي؟
لِمْ لا تجرِّبْ صوغ نفسكَ مثلما
جَوْهَرْتني أيامَ كنتَ محلِّكي
***
إني سقطتُ على يديك لأرتقي
فهبطتُ أدنى مِن نعالِ مُبنِّكي
قد كنتُ ذا ثَمنٍ ومُذْ ملَّكتني
فُرَصاً وأبنيةً أجَدْنَ تملُّكي
نَكأَتْ جراحي ثروتي، وقُبَيْلَها
لم يُبقِ فيها الجَلْدُ حسّاً يَنْتكي
***
أتقول لي: ماذا فعلتُ بحُنْكتي؟
زمنُ الزنَّابر والبعوض مُحنِّكي
أو هذه كلُّ الحكاية؟ ربما
رسبَتْ مراراتٌ أبَتْ أن تَنْحكي
يونيو 1984
«1» نيزكي: هو الرمح القصير أو الحربة، أو عضو الذكورة من جهة الاستعارة.
«2» التمعك: هو التمرغ من وجع على مكان يزيد الوجع.
«3» تنهنكي: هي كلمة منحوتة من مفردات البيت التي تكررت فيه: هناك، هنا، هناك.
«4»«يا دار عاتكة» إشارة إلى قول الأحوص:
يادار عاتكة التي أتعزّل
حذر العدى، وبك الفؤاد موكَّلُ
وقد استشهد به ابن المقفع مشيراً إلى دار النار بعد أن أعلن اسلامه فكان ذلك سبب إعدامه.
«5» مدمَكي: هو مؤسس مداميك البناء.
«6» تورُّكي: هو التحرك إلى الخلف.
تعليقات
إرسال تعليق