الشاعر والمفكر عبد الله البردوني رحلة ابن من شاب قرناها
مَنْ دعتني؟ تخشين ماذا؟ سآتي
لحظةً، ريثما ألمُّ شتاتي...
وأوازي بيني وبيني، وسَيْري
بين جدوى توجُّهي والتفاتي
وأعيدُ الذي تركتُ ورائي
مِنْ ضلوعي، ومِنْ صِبا أغنياتي
لستَ أنتَ الذي أجبتَ هتافي،
ليس عندي إلَّا أسى زاوياتي
ربما كان نصفُ صوتي جريحاً
نصفه كان غارقاً في سُباتي
علَّها ساعة الجدار تَشَهَّتْ
فدعتكِ اصعدي على تَكْتَكَاتي
***
ويح قلبي، نأيتُ عنها وعنِّي
كنتُ أسري في الـ"حَا" إلى نحنحاتي
الثواني عن الطريق إليها
عرَّجَتْ بي، أفتى الهدى غيرُ فاتي
هل تجاوزتُ كلَّ حيٍّ، أأبكي
أم أغني كي يهتدي ميقاتي؟
يا "متى" يا "إلى" ويَا "كَمْ" سأصغي
للذي لا يُقال أو لا يـُمَاتي
وأشاكي قصيدةً بعد مَطْلٍ
أسرَعَت كي تـُميتَ عني مماتي
أصبح الموتُ يا قصيدةُ أحنى
مأمَنٍ، ليتني أطلتُ أَنَاتي
لستُ موتيَّةً، ولا الموتُ مني
الصِّبا حرفتي، وقلبي أداتي
***
أمهليني عشيةً أو ضحاها
كي أُساقي الذين كانوا سُقاتي
وأُساري الذين كانوا بلاداً
لبلادي، وأهل أهلي حُـماتي
كنتِ أبْكَى مني، تهزِّين أشجى،
هزَّ (أمّ السُّليك) قلب الفلاتِ
أختَ (صخرٍ) هل أنت أحنى عليهم
مِنْ حشا (كربلا) على (الفاطماتِ)؟
قلتَ أين الذين.. يا أرض: غابوا
في عظامي، كي يُشرقوا مِنْ فُتاتي؟
نــَمَّ عنهم حرفٌ، كحسْوِ الخزامى
جمرات البروقِ خضر المآتي
***
ما أسـمِّيه ذلك الحرف؟ قل لي:
يا دم الليل، يا حليب الغَدَاةِ؟
مَلِّس السِّينَ، هل تظنين هذا
سين سوفَ، أو أعين العادياتِ؟
هل تسمِّيه أنتَ، سَلْ من يُسمَّي
أحرفَ الهمس عنه شتَّى الصِّفاتِ
***
كان في أوَّلِ التلاقي كوعدٍ
في ضميرِ الغمائمِ الصادقاتِ
كقوافٍ تختارُ أرقى المرامي
كي تقولَ النجومُ من بيِّناتي
***
فابتدى يستشيرُ مِنْ أين أغنى؟
قبل أمسيَّتين بعتُ شُراتي
كردَس الأمسيات: هذي خيولي
-يا متاهات- والـهَبَا مملكاتي
أنتَويْ أنزح المحيطات، أرمي
أشمخَ الراسياتِ بالراسياتِ
عجِلاً كالرياح أعدو، وأهوي
باحثاً في تكسُّري عن نواتي
عن جبيني الذي هوى مِنْ قذالي
سائلاً عن يديَّ، عن (صافناتي)
هل سأدري، لو بعد سبعين أصحو
نوع ماهيَّتي: هيولى (مَهَاتي)
***
وتولَّى فصلٌ، وفصلٌ تبدَّى
كادِّكارِ العشائرِ البايداتِ
راح يُبدي تغيُّباً وهو قربي
عاصراً هجستي، عظام دواتي
قائلاً عنه منه: قالوا يـُخبـِّي
أعيناً كالطوالعِ الثاقباتِ
***
قال (يعلى): أفضى (سعيدٌ) إليهِ
حـَمْلُ جَدِّ الصخورِ شظَّى قناتي
أشتهي ثروةً، كذاك وهذا،
مثل نصفِ الرجالِ، كالغانياتِ
هل يُرَجَّى، وقبل إيراقِ غصنٍ
فيهِ قال الطَّلاقُ: يا مثمراتي؟
أينَعَ (الحنظلُ) الذي لستُ منهُ
بل أنا منكَ، أحسَنَتْ سيئاتي
***
مَنْ هنا يبتغي عن الطِّينِ طِيْباً
غير سُوقِ الجنائزِ المغوياتِ؟
قيل يشتقُّ كلَّ شكلٍ شُكُولاً
يُلبِسُ النعشَ أنضرَ الكاعباتِ
ويبيعُ القبورَ في شكلِ ملهى،
في حُلى صفقةٍ كسِحْرِ (البِدَاتِ)
مقلتاهُ نيليَّتانِ، ويبدو
للضُّحى جيدُه عموداً (فُراتي)
***
واتفقنا ندعو (سعيداً) فإمَّا
ننثني، أو نكِرُّ كالعاصفاتِ
كنتَ منَّا لكي تعودَ علينا
غير هذي، أو هذه موبقاتي
ليس لي غيركم، إلى مَنْ سأعزو
صفقاتِ المدافعِ (الصامتاتِ)؟
حين أروي ذبحَ العفاريتِ عنكم
- بالموَاسي- تُمسي البيوتُ رُواتي
قلتُ بالأمس: أطْـلَعُوا الشمسَ ليلاً
قيل: جئتم كالأبحُرِ الحافياتِ
فدعوني أعِشْ، وكي لا تموتوا
تـُمطرُ الشُّهْبَ باسمكمْ وَسْوَسَاتي
فتراكم عيونُ (يأجوج) أغزى
لمقاصيرهم مِن الصَّاعقاتِ
***
فاختفى أشهراً ودلَّ علينا
قادةُ اللَّادِغاتِ والنَّاهشاتِ
فلبسنا بيوتَنا، قال بيتي:
نمتطي الآن أحدثَ الحادثاتِ
يُرهِبُ الخوفَ مَن يلاقيه أقوى
والرعاديد حفلة النَّابحاتِ
ودَنَتْ جارةٌ وقالت: خذوني
لستُ أخشى غيبيَّةَ العاقباتِ
أين تبغين يا (رُبى)؟ أيّ منأى
لا تراني ولا أراها حَمَاتي
وثَنَانا الأمانُ، قال سيلوي
قامةَ البيتِ مخنقُ الزَّوبعاتِ
وقُبيل الغروبِ زارَ (سعيدٌ)
بيتَنا، فاحتفى بعهدِ الصِّلاتِ
فبَسَطنا له المودَّة فرشاً
وغمرناه بالـمُنى الوارفاتِ
***
قال: ماذا استجدَّ قبل ثوانٍ؟
حركاتٌ رعديَّةُ القَعْقَعَاتِ
ولوَى جيدَهُ فشامَ كتاباً
مطمئنَّاً، عنوانهُ (فلسفاتي)
قال: أضحى ذلك الفتى فيلسوفاً
كان تِرْبي يُصغي إلى دندناتي
ويراني بعد انفصالي بعيداً
عن مدى العينِ في مدى الذكرياتِ
قلتُ يا (زين) ما أقمتَ فروقاً
بين أعدى العدى وأهل الـمِقَات
لا تُعادي، فَلْسِفْ ضميرَ الـمُعادي
لا بقلبي، ولا بحبري، عِدَاتي
***
قلتُ أعدى عِداة أهل المعالي
مِنْ شُراةِ المدايحِ النَّافخاتِ
قال ذاك الزعيم عنكَ: لماذا
لا يـُحنـِّي القصيدَ مِنْ مكرُماتي؟
قال أغبى: إن ردَّ أطماعَ نفسي
مِنْ سناهُ، لـِمْ لا يردّ هِبَاتي؟
قلتَ: ردُّ الـهِباتِ لؤمٌ.. وأخزى
منه جدوى الأناملِ الذَّابحاتِ
مَنْ رآني قبَّلتُ كفـَّاً خضيباً؟
مِنْ دمِ الشعبِ أكرم الأُضحياتِ
غاب عنا في كهف ماضيه حيناً
وطفا من ضلوعهِ الحاقداتِ
***
كان (عبدالرحيم) يـُملي كتاباً
جيداً مِن أحاسنِ الترجماتِ
كان يحسو الحروفَ كأساً فكأساً
هازجاً كالحمائمِ السَّاجعاتِ
قال: يدمي نبوغ هذا سقوطي
مِن تَغَنِّيه تغتلي رأرآتي
وإلى السقفِ والممراتِ ألقى
تمتماتٍ مسمومةَ الذبذباتِ
***
سائلاً كلَّ طوبةٍ: كيف أخلو
بالثرى والسَّمَا، وأجتازُ ذاتي؟
وأُصافي في وحدتي أصدقاءً
أنبياءَ القلوبِ، زُهرَ السِّمَاتِ
وانتَحَى يستعيرُ صوتَ سواهُ
مُستسرَّاً عني وعن قارئاتي
ودعا صاحبي: تعال ستنجو
قال أخشى ما بتُّ أخشى نجاتي
إنصرفْ راشداً، وفي الباب أفضى:
الدكاكينُ والكُوى من جُفاتي
***
وأتى بعد ليلتين ويومٍ
دارَ بالدارِ من جميع الجهاتِ
قال (هِرٌّ): منَّا إلينا تُوافي،
حَوَماني بالصَّحْبِ مِن تسلياتي
***
ومشى يزدريه كلُّ طريقٍ
إذ يُحاكي تخلُّعَ الماجناتِ
يدخلُ (الباصَ) كي يشدَّ إليه
أعينَ الراكبين والراكباتِ
قيل هذا درعُ (الأمير) يُرابي
بالمنى، بالمناصبِ العالياتِ
قلت: هذا اشتراهُ منهُ عليهِ
قال ثانٍ: أضنى يديه انفلاتي
قال شيخٌ: كلبٌ رقَى كي يؤدِّي
جيداً خدمةَ الكلاب العواتي
قال إذ جئتُه: أسجَّلتَ وعداً؟
لستَ في دفتر السُّراة الغُراةِ
دفتر الزائرين؟ ما أنتَ فيهِ
قلتُ: ضعني في دفتر الزائراتِ
وتلهَّى عني قليلاً، وماجَتْ
حولَهُ زحمةُ الأُلى واللواتي
قال شيءٌ إلى (الأمير)، إليهِ
وقميصي مرعبلٌ جلد شاةِ
مِن هنا أو هناك عنكَ توارى
بالهدايا، وتحت سقفِ الزكاةِ
***
فتبدَّى ذاك (الأميرُ) رفيقاً
منذ عشرين، في ضحى الأمنياتِ
كيف يختار حاجباً مثل هذا؟
ربما زوَّقوه كالبايعاتِ
كدتُ أنسى أن الحجابةَ إرثٌ
عن مرام الوريث، لا الوارثاتِ
خِلتُني في حمى (الأمير) بأني
صرتُ إياه، وهو أزكى ثِقاتي
كنديم (القريض)، والراحُ ينسي
أول القهرِ، آخر الموجعاتِ
منذ لاقيتُه دخلتُ سماءً
في الثرى، تلك أعجب العاجباتِ
***
قال: ماذا حملتَ؟ قلتُ: كتاباً
وتأبَّطتُ صُرَّةً لاقتياتي
ثم ماذا؟ أسْكنتُ (ميمون) نصفي
قل ونصفي لمن؟ لتلك الحصاةِ
تعليقات
إرسال تعليق