الشاعر والمفكر عبد الله البردوني كائنات الشوق الآخر
لماذا المَقطف الدّاني
بعيدٌ عن يد العاني؟
لماذا الزهر آنيٌّ
وليس الشوك بالآني؟
لماذا يقدر الأعتى
ويعيا المُرهفُ الحاني؟
***
أيستسقي الدم الصادي
ندىً، أم خنجراً قاني؟
أيخشى الرعبُ رِجْليهِ
أيحذر كفَّهُ الجاني؟
***
ألا يستفسر المصباح
كيف دخيلةُ الراني؟
وما معنى أسى الشاكي
وكيف مخافةُ الهاني؟
وهل يستوطن المبنى
حشاهُ، أم يدَ الباني؟
***
أيدري السوق والعجلات
مَن ذا يحمل الثاني؟
ومن أهدى إلى الأجدى
خُطى المُضنى أم الضاني؟
وهل سجّادةُ الأفعى..
نقيضُ المرقد الزاني؟
وكيف يوسوس المُفني
وماذا يحلم الفاني؟
***
أأستفتيك يا أشجار؟
: فوقي غيُر أغصاني
كومض الآل إيراقي
كلغو السُّكرِ إعلاني
وكالحدَبات أثدائي
وكاللّصَقات ألواني
أتستفتي أُروماتي
متى يُطلعن أفناني؟
***
أريد مدىً إضافياً
ثرىً من صنع إتقاني
وتاريخاً خرافياً
أعلق فيه قمصاني
أيمكن كل مرفوض
وهذا الشوق إمكاني
***
أيا بستان هل تصغي؟
لمن؟ والقحط سلطاني؟
أليس الموت كاللاموات
والمشدود كالواني؟
***
تَرى مَن أنت كي أُفضي
إليك بكل وجداني؟
ألستَ بيوت أحبابي؟
ولكن أين سُكّاني؟
أتذكرهم؟ هنا كانوا
عناقيدي وريحاني
على أحضانهم أصبُو
ويستصبون أحضاني
***
لماذا جئتَ تُشجيني؟
أأنت رسول نَيساني؟
أتنكرُ نَكْهتي؟ كلّا
تلوح كبعض عيداني
***
ترى هل ينمحي وضعي
إذا أعلنتُ كتماني
لماذا يغتدي طيري
وأثوي خلف حيطاني
ألا يا ليتني نهرٌ
وكل الأرض بستاني
***
أأستبكيكَ يا مقهى؟
بقلبي غير أحزاني
لأن مشاجباً أخرى
لبسن بطون أجفاني
وأنكى ما أعي أني
أنوء بحمل بنياني
وأني - بعد ما ولّى
بنو عثمان - عثماني
***
أمامي ظهر أيامي
وخلفي وجه سجّاني
أمن تحتي أرى برقاً
يريني أنفَ بركاني
***
أيا بيتاً هنا في القلب
كيف أبثٌّ تَحناني؟
إليك أُصيخ: هل تحكى؟
أضعتُ هناكَ تبياني
أقولُ، يقول عني السقف
غيَر لغاتِ أركاني
لأن أباك «عنسيٌّ»
وخال الأم «باذاني» «1»
***
أتذكر، كنتَ بُنيّاً
ولونُ الباب رمّاني
وكان السورُ قاتيّاً
ومرأى الصحن مَرجاني
وكنتَ تشير «بالكاذي»
«وبالوَرْسِ الغويداني»«2»
وكنتَ مؤزَّراً بالطيب
كالفجر الحزيراني
وبالأحباب معموراً
وكنتَ أحبَّ جيراني
تنثُّ الشدو «سَعْديّاً»
وأحياناً «قُمنْداني»«3»
***
أمِن قلبي إلى سمعي
تمدُّ غرام ألحاني؟
أمِن صدري على صدري
تلمُّ فلول أزماني؟
هل استوقدتَ أعراقي؟
أم استنفرتَ جدراني؟
أحس تهدّمي يهفو
إلى نزغات شيطاني
أشمّ عبير تأريخي
وأسمع نبض عمراني
فلا طيفي «نجاشٌّي»
ولا طيري «سليماني»«4»
أطعتُ زمانَ إسكاتي
أَأُعصي الآن عصياني
***
أأدنو منك يا مرسى؟
شئوني لسن مِن شاني
أتقرؤني؟ أما تبدو
فصولي عكس عنواني؟
لأن البحرَ غٌير البحرِ
في قدميه أشجاني
***
فلا كفّاي مِن أهلي
ولا الأمواجُ خِلاّني
بحكم الوضع والعادات
ألقاها وتلقاني
***
بودي أن أُحيلَ البحر
وشماً تحت أرداني
وأرحل تاركاً خلفي
لأمِّ الرمل أدراني
***
ألا يا كائنات الشوق
أين تريْنَ شطآني؟
أناديكن: مَن لّبى؟
ومَن يا صمتُ ناداني؟
وهل هذا الذي أجْتُّر
كالأنقاض جثماني؟
***
أيا هذا لمن تهذي؟
أُهاذي صخر إذعاني
أما استنطقت أشباحاً؟
بل استنطقن إمعاني
***
أتسأل طالباً ردّاً؟
أليس الحلْمُ إنساني؟
أما للموج طوفانٌ؟
وهذا الهجْسُ طوفاني
«1» عنسي: نسبة إلى الأسود العنسي الذي اصطرع مع «باذان» قائد الحملة الفارسية على اليمن، بعد أن أقره النبي والياً عليها.
«2» الكاذي: نبات زكي الرائحة. والوَرْس: من شجر البهارات تستخلص منه صُبغة صفراء للثياب ووجوه النساء وكان أجود أنواعه في اليمن. الغويداني: نسبة إلى شعْب غويدان.
«3» سعدياً: نسبة إلى مطرب في مطلع القرن العشرين اسمه: سعد عبدالله، الذي أشاعت الحكايات الشعبية الأعاجيب عن حُسن غنائه. قمنداني: نسبة إلى المطرب الشاعر اللحجي القمندان الشهير بشعره الغنائي وغنائه الشعري.
«4» نجاشي: نسبة إلى غزو النجاشي ملك الحبشة لليمن في القرن الثالث الميلادي. ولا طيري سليماني: إشارة إلى العفريت الطائر المسمى«آصف» الذي أمره الملك سليمان بحمل ملكة سبأ إلى عاصمته.
تعليقات
إرسال تعليق