الشاعر والمفكر عبد الله البردوني زحف العروبة
1958 م
لبّيك وازدحمت على الأبواب
صبوات أعياد وعرس تصابي
لبّيك يا بن العرب أبدع دربنا
فتن الجمال المسكر الخلّاب
فتبرّجت فيه المباهج مثلما
تتبرّج الغادات للعُــــزّاب
واخضرّت الأشواق فيه والمنى
كالزهر حول الجدول المنساب
ومضى به زحف العروبة والدنا
ترنو، وتهتف عاد فجر شبابي
إنّا زرعناه منىً وجماجمـــــاً
فنَمَا وأخصب أجود الإخصاب
ويحدّق التاريخ فيه كأنّه
يتلو البطولة من سطور كتاب
***
عاد التقاء العرب فاهتف يا أخي
للفجر، وارقص حول شدو ربابي
واشرب كؤوسك واسقني نخب اللّقا
واسكب بقايا الدّنّ في أكوابي
هذي الهتافات السكارى والمنى
حولي تناديني إلى الأنخاب
خلفي وقدّامي هتاف مواكب
وهوى يزغرد في شفاه كعاب
والزهر يهمس في الرياض كأنّه
أشعار حبّ في أرقّ عتاب
والجوّ من حولي يرنحه الصدى
فيهيم كالمسحورة المطراب
والريح ألحان تهازج سيرنا
والشهب أكواب من الأطياب
إنّا توحّدنا هوى ومصائرا
وتلاقت الأحباب بالأحباب
أترى ديار العرب كيف تضافرت
فكأنّ "صنعا" في "دمشق" روابي
وكأنّ "مصرَ" "وسوريّا" في "مأرب "
علم وفي "صنعا" أعــــــــــــزّ قباب
لاقى الشقيق شقيقه، فاسألهما
كيف التلاقي بعد طول غياب؟
***
اليوم ألقى في "دمشق" بني أبي
وأبثّ أهلي في الكنانة ما بي
وأبثّ أجدادي بني غسّان في
ربوات "جلّق" محنتي وعذابي
وأهيم والأنسام تنشر ذكرهم
حولي فتنضح بالعطور ثيابي
وأهزّ في تُرب "المعرّة" شاعرا
مثلي: توحّد خطبُه ومصابي
وأعود أسأل "جلّقا" عن عهدها
"بأميّة" وبفتحِها الغلّاب
صور من الماضي تهامس خاطري
كتهامس العشّاق بالأهداب
***
دعني أغرّد فالعروبة روضتي
ورحاب موطنها الكبير رحابي
"فدمشق" بستاني "ومصر" جداولي
وشعاب "مكّة" مسرحي وشعابي
وسماء "لبنان" سماي وموردي
"بردى" ودجلة والفرات شرابي
وديار "عمّان" دياري أهلها
أهلي وأصحاب العراق صحابي
بل إخوتي ودم "الرشيد" يفور في
أعصابهم ويضجّ في أعصابي
***
شعب العراق وإن أطال سكوته
فسكوته الإنذار للإرهاب
سل عنه سل عبد الإله وفيصلاً
يبلغك صرعُهما أتمّ جواب
لن يخفض الهامات للطاغي ولم
تخضع رؤوس القوم للأذناب
وطن العروبة موطني أعياده
عيدي، وشكوى إخوتي أوصابي
فاترك جناحي حيث يهوى يحتضن
جوّ العروبة جيئتي وذهابي
يا ابن العروبة شدّ في كفّي يدا
ننفض غبار الذلّ والأتعاب
فهنا هنا اليمن الخصيب مقابر
ودم مباح واحتشاد ذئاب
ذكّره بالماضي عسى يبني على
أضوائه مجدا أعزّ جناب
ذكّره بالتاريخ واذكر أنّه
شعب الحضارة مشرق الأحساب
صنع الحضارة والعوالم نُوّم
والدهر طفل في مهود تراب
ومشى على قمم الدهور إلى العلا
وبني الصروح على ربى الأحقاب
وهدى السبيل إلى الحضارة والدنى
في التيه لم تحلم بلمح شهاب
فمتى يفيق على الشروق ويومه
يبدو ويخفى كالشعاع الخابي
***
يا شعب مزّق كلّ طاغ وانتزع
عن سارقيك مهابة الأرباب
واحذر رجالا كالوحوش كسوتَهم
خِلعاً من "الأجواخ" والألقاب
خنقوا البلاد وجورهم وعتوّهم
كلّ الصواب وفصل كلّ خطاب
لم يحسبوا للشعب لكن عنده
للعابثين به أشدّ حساب
صمت الشعوب على الطغاة وعنفهم
صمت الصواعق في بطون سحاب
فاحذر رجالا كالوحوش همومهم
سلبُ الحمى والفخر بالأسلاب
شهدوا تقدّمك السريع فأسرعوا
يتراجعون به على الأعقاب
لم يُحسنوا صدقا ولا كذبا سوى
حيل الغبيّ وخدعة المتغابي
***
قل للإمام: وإن تحفّز سيفه
أعوانك الأخيار شرّ ذئاب
يومون عندك بالسجود وعندنا
يومون بالأظفار والأنياب
هم في كراسيهم قياصرة وهم
عند الأمير عجائز المحراب
يتملّقون ويبلغون إلى العلا
بخداعهم وبأخبث الأسباب
من كلّ معسول النفاق كأنّه
حَسْنا تتاجر في الهوى وتُرابي
وغدا سيحترقون في وهج السَّنا
وكأنّهم كانوا خداع سراب
وتفيق "صنعاء" الجديد على الهدى
والوحدة الكبرى على الأبواب
تعليقات
إرسال تعليق