الشاعر والمفكر عبد الله البردوني


 

مِن تلظّي لموعِه كاد يَعمى
كاد من شهرة اسمه لا يُسمّى

جاء من نفسه إليها وحيداً
رامياً أصلهُ غباراً ورسما

حاملاً عمره بكفيه رمحاً
ناقشاً نهجه على القلب وشما

خالعاً ذاته لريح الفيافي
مُلحِقاً بالملوك والدهر وصما

* * *

اِرتضاها أُبوَّة السيف طفلاً
أرضعتهُ حقيقة الموت حُلما

بالمنايا أردى المنايا ليحيا
وإلى الأعظَمِ احتذى كل عظمى

عسكر الجن والنبوءات فيهِ
وإلى سيف (قُرمطٍ) كان يُنمى

* * *

البراكين أُمُّه، صار أُمّاً
للبراكين، للإرادات عَزْما

(كم إلى كم، تفنى الجيوش افتداءً
لقرودٍ يفنون لثماً وضمّاً)

ما اسم هذا الغلام يا بنَ مُعاذٍ؟
اسمه (لا): مِن أين هذا المُسمَّى؟

إنه أخطر الصعاليك طُرّاً
إنه يعشق الخطورات جمّا

فيه صاحت إدانة العصر: أضحى
حكَماً فوق حاكميهِ وخصما

قيل: أردَوه، قيل: مات احتمالاً
قيل: همّت به المنايا، وهمّا

قيل: كان الردى لديه حصاناً
يمتطيه برقاً ويُبريه سهما

الغرابات عنه قصّت فصولاً
كالتي أرّخت (جديساً) و(طسماً)

* * *

أورقَ الحبر كالرُّبى في يديهِ
أطلعَت كل ربوةٍ منه نجما

العناقيد غنّت الكاس عنهُ
الندى باسمه إلى الشمس أوما

* * *

هل سيختار ثروة واتساخا؟
أم ترى يرتضي نقاء وعدما؟

ليس يدري، للفقر وجهٌ قميء
واحتيال الغنى من الفقر أقمى

ربما ينتخي ملياً، وحِيناً
ينحني، كي يصيب كيفاً وكما

عندما يستحيل كل اختيارٍ
سوف تختاره الضرورات رغما

ليت أنَّ الفتى - كما قيل - صخرٌ
لو بوسعي ما كنت لحماً وعظما

هل سأعلو فوق الهباتِ كمياً؟
جبروت الهبات أعلى وأكمى

* * *

أنعَلوا خيله نُضاراً ليفنى
سيد الفقر تحت أذيال نُعمى

(غير ذا الموت ابتغي، من يُريني
غيره لم أجد لذا الموت طعما

أعشق الموت ساخناً، يحتسيني
فائراً، أحتسيه جمراً وفحما

أرتعيه، أحِسُّه في نيوبي
يرتعيني، أحِسُّ نهشاً وقضما)

* * *

وجدوا القتيل بالدنانير أخفى
للنوايا، أمضى من السيف حسما

ناعم الذبح، لا يعي أي راءٍ
أين أدمى، ولا يرى كيف أصمى

يشتري مصرع النفوس الغوالي
مثلما يشتري نبيذاً ولحما

يدخل المرس من يديه وينفي
جسمه من أديمه وهو مُغمى

يتبدّى مبغىً هنا، ثم يبدو
معبداً هاهنا، وبنكين ثَمّا

يحملُ السوق تحت إبطيه، يمشي
بايعاً شارياً، نعيّاً ويُتما

* * *

مَن تُداجي يا بن الحسين؟ (أُداجي
أوجهاً تستحق ركلاً ولطما

كم إلى كم أقول ما لست أعني؟
وإلى كمْ أبني على الوهم وهما؟

تقتضيني هذي الجذوع اقتلاعاً
أقتضيها تلك المقاصير هدما)

* * *

يبتدي يبتدي، يُداني وصولاً
ينتهي ينتهي، ويدنو ولَمّا

هل يرى ما ترى مقلتاهُ؟
(هل يُسمِّي تورُّم الجوف شحما)؟

* * *

في يديهِ لكل سِينَين جيمٌ
وهو ينشَقّ: بين ماذا وعّما

لا يريد الذي يوافيه، يهوى
أعنف الاختيار: إمَّا، وأمَّا

كل أحبابهِ سيوفٌ وخيلٌ
ووصيفاتهُ: أفاعٍ وحمّى

* * *

(يا ابنة الليل كيف جئتِ وعندي
مِن ضواري الزمان مليون دهما؟

الليالي - كما علمتُ – شكولٌ
لم تَزدني بها المرارات عِلما)

* * *

آه يا بن الحسين: ماذا ترجِّي؟
هل نَثير النقود يرتدُّ نظما؟

بخفيف الرموز ترمي سيوفاً
عارياتٍ: فهل تحدَّيتَ ظُلما؟

كيف تُدمى ولا ترى لنجيعٍ
حُمرةٌ تنهمي رفيفاً وشمَّا؟

كان يهمي النبات والغيث طلٌّ
فلماذا يجفُّ والغيث أهمى؟

ألِأنَّ الخُصاة أضحوا ملوكاً
زادت الحادثات، وازددن عُقما؟

* * *

(هل أقول الزمان أضحى نُذيلاً؟
ربما قُلتَ لي: متى كان شهما؟

(هل أُسمِّي حكم الندامى سقوطاً؟
ربما قلتَ لي: متى كان فخما؟

أين ألقى الخطورة البكر وحدي؟
لست أرضى الحوادث الشُّمط أُمّا

أبتغي يا سيوف، أمضى وأهوى
أسهُماً مِن سهام (كافور) أرمى

* * *

شاخ في نعله الطريق، وتبدو
كل شيخوخةٍ، صِبَاً مدلهمّا

كلما انهار قاتلٌ، قام أخزى
كان يستخلف الذميمُ الأذمّا

هل طغاة الورى يموتون زعماً
- يا منايا - كما يعيشون زعما؟

أين حتمية الزمان؟ لماذا
لا يرى للتحول اليوم حتما؟

هل يُجاري، وفي حناياه نفسٌ
أنِفَتْ أن تحلَّ طيناً مُحمَّى؟

(ساءلت كل بلدةٍ: أنتَ ماذا؟
ما الذي تبتغي؟ أجلَّ وأسمى

غير كفِّي للكأس، غير فؤادي
لعبةٌ في بنان «لَميا» و«ألمى»

* * *

كيف يرجو أكوازَ بغداد نهرٌ
قلُبه وحدهُ مِن البحر أطمى؟

كان أعلى مِن (قاسيون) جبيناً
مِن نخيل العراق أجنى وأنمى

للبراكين كان أُمّاً: أيُمسي
لركام الرماد خالاً وعمّا؟

* * *

(حلبٌ يا حنين، يا قلب تدعو
لا أُلَبِّي، يا موطن القلب مهما..

أشتهي عالماً سوى ذا، زماناً
غير هذا، وغير ذا الحكم حُكما

أين أرمي روحي وجسمي، وأبني
لي، كما أستطيب روحاً وجسما؟)

* * *

خفِّف الصوت للعدا ألف سمعٍ
هل أُلاقي فدامة القتل فَدْما؟

((يا أبا الطيِّبِ اتَّئِدْ )): قل لغيري
((اِتّخذْ حيطةً)) على مَن وممَّا؟

كلهم (ضَبَّةٌ) فهذا قناعٌ
ذاك وجهٌ سمَّى تواريه حَزْمَا

* * *

(الطريق الذي تخيَّرتُ أبدى
وجهَ إتمامهِ، أُريد الأتَّما

مُتَّ غمّاً: يا درب «شيراز» أَوْرِق
مِن دمي كي يرفَّ مَن مات غمَّا

وانفتح وردةَ إلى الريح تُفضي
عن عدوِّ الْجَمام كيف استجمَّا)

أصبَحت دون رجله الأرض، أضحى
دون إطلاق برقِهِ، كلُّ مرمى

هل يصافي؟ شتَّى وجوه التصافي
للتعادي وجهٌ وإن كان جهما

أين لاقى مودّةً غير أفعى؟
هل تجلَّى ابتسامةً غير شرمى؟

* * *

أهلُهُ كل جذوةٍ، كل برقٍ
كل قفرٍ في قلبه، وجه «سلمى»

تنمحي كلها الأقاليم فيهِ
ينمحي حجمُه، ليزداد حجما

تحت أضلاعه «ظفارٌ» و«رضوى»
وعلى ظهرهِ «أثينا» و«روما»

يغتلي في قذاله «الكرخ» يرنو
مِن تقاطيع وجهه «باب توما»

* * *

التعاريف تجتليه وتغضي
التناكير عنه ترتدّ كلمى

كلهم يأكلونَهُ وهو طاوٍ
كلهم يشربونهُ وهو أظما

كلهم لا يرونهُ وهو لفحٌ
تحت أجفانهم مِن الجمر أحمى

* * *

حاولوا، حصرهُ، فأذكوا حصاراً
في حناياهُمُو يُدمِّي ويَدمى

جرَّبَ الموتُ محوهُ ذات يومٍ
وإلى اليوم يقتلُ الموت فَهْمَا

إبريل 1980م

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4- قبائل تشترك مع الزرانيق في الأرض و التاريخ و المعتقد و الفلكلور و العادات و التقاليد و ارتضت الانضواء في الاتحاد الكونفدرالي " الزرانيق " لأغراض الحماية و المكاسب الاقتصادية