الشاعر والمفكر عبد الله البردوني الآتية



 

من آخر المرسى تهادت أغْنِيَهْ
تجتاز أودية، وتحمل أوديهْ

كسريرةٍ ما شمَّ فاها كاهنٌ
كصبيحةٍ، ما شاهدتها الأهْويهْ

كحديقةٍ، لا تحتويها بقعةٌ
كحقيقةٍ، أعيت فنون التغطيهْ

كفجاءة كانت تهم وتنثني
كجليَّةٍ تُبدي غموض الأحجيهْ

تمشي على الأنغام حافيةً كما
يمشي الربيع، إلى الرياض المُشْتيهْ

تُعلي ذوائبها، وتلبس صوتها
وتزفُّ أُمنيةً، وتُرضع أُمنيهْ

***

تنصبُّ أحلاماً، وتُعشب أعيناً
وترفُّ هازجةً، وتعبُق موحيهُ

وتنوس هاجسةً، فيورق حولها
صُبحٌ بدائيٌّ، وريّا مُبْديهْ

***

تشدو ملاييناً مِن الأصوات في
صوتٍ كلا صوتٍ، وتخطر مُصْغيهْ

ولُغاتُها شتى المعاني، وهذه
تَشْؤو مؤدّاها، وتلك مُؤدِّيهْ

هاتيك أفصح مِن أسارير الضحى
هذي أشفُّ، وتستعير التَّوْريهْ

***

هل تلك أغنيةٌ؟ وكم أفواهَها؟
كم في جوانحها قلوباً مُعطيهْ؟

تحكي المراعي للمراعي همسَها
تبدو الروابي للروابي مُغريهْ

تروي الثواني للثواني سَّرها
تتناخب الحاراتُ كأس التَّهْنيهْ

***

مِن أين تغشى كلَّ بيتٍ يا تَرى؟
مِن كلِّ بابٍ غيَر باب التَّلهيهْ

مِن كل بارقةٍ تجيءُ مُزيحةً
عن كل خافيةٍ ركامَ الأغطيهْ

***

تطأ المغنِّين الذين قلوبُهم
كثيابهم، ووجوهُهم كالأقْفيهْ

تمحو مواضعةً، وتدخل بِدعةً
تجتثُّ أسماءً، وتغرس تَسْميهْ

***

تصل التوهُّجَ بالتوهج تنهمي
فرحاً، وتولم في حنايا الأقبيهْ

تنأى، فتشمس تحت آباط الربى،
تدنو، فتقمر في سقوف الأخبيهْ

***

تمتد أنهاراً، تمرُّ تفكُّراً..
وتغيم رانيةً، وتصحو مُغْضيهْ

بيدٍ تُركّب للغصون معاطساً
بَيدٍ تُفصِّل للعواصف أَرْدِيهْ

***

ماذا سيدعوها التآمر؟ طفرةً
خطراً، مباغتةً؟ سيخْشى التَّعْريهْ

ويرى نقاوتَها فيبدي عشقهُ
عبثاً، ليقتلها بدعوى التَّنقيهْ

ويقول عارضةٌ ستصبو مدةً
وتموت باكيةً صباها مُبكيهْ

يومٌ، وتُحيي حفلتين وترتخي
شهرٌ، وتصبح مِن بنات الأنديهْ

***

ويقول ثانيةً: غريبٌ أمرُها
عَرضَتْ كتسليةٍ، وليست تسليهْ

مِن ذا تغنّاها؟ أغَنَّتْ نفسها؟
وُلِدتْ بلا أبوين هذي المضْنيهْ؟

مَن ذا دعاها؟ هل أجابت دعوةً؟
أهي الاجابةُ واحتمالُ الأدْعيهْ؟

عزفت لكل الناس، كيف تمكَّنت؟
ومتى رأت مَن يستحق التضحيهْ؟

***

كيف اختفت عن كل مقلة راصدٍ؟
وتسلَّقتْ جدران كل الأبنيهْ !

مِن أين جاءتْ؟ لاكَهاناتُ الربى
أوشت بها، لا الريحُ عنها مُفشيهْ

***

ستظل تَجْهَدُ كي تُعلِّبَ مَدَّها
وتظل تكبُر، لا تعيها الأوعيهْ

حسناً! تُغنّي عكسها مِن شكلها
جرِّبْ، لقد أنهت زمان التَّعْميهْ

ستظلُّ تسأل كيف جاءت، إنها
جاءت إلى الأشواق أسخى تَلْبيهْ

***

حملتْ لواء المستحيل وأسفرتْ
أضحت لواءً، في يديها الألويهْ

وصلت بلا خَبَرٍ، كأوَّل ضحوةٍ
مِن جبهة الآتي، وأولِ أُمْسيهْ

***

1985

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4- قبائل تشترك مع الزرانيق في الأرض و التاريخ و المعتقد و الفلكلور و العادات و التقاليد و ارتضت الانضواء في الاتحاد الكونفدرالي " الزرانيق " لأغراض الحماية و المكاسب الاقتصادية