الشاعر والمفكر عبد الله البردوني الحقيقي


 

يجيء بلا وقتٍ، وبالوقتِ يلتقي
أيغدو أيَسري؟ أيَّ وقتيه يتَّقي؟

يقاوي سُراهُ، أم يداري غُدُوَّهُ؟
إلى قصده يجري، ومجراه زئبقي

***

يقول الحصى: مَن ذلك الطالع الذي؟
تقول خُطاه للمراعي: تعملقي

ينادي الأخاديدَ التي ملَّها الثوى:
هناك طريقٌ فاسبَقيني أو الحقي

***

تَهسُّ الروابي: من أتى؟ إنه الذي
إلى فجر عينيه تَنادى تَحرُّقي

يمرُّ ويُفضي للشجيرات مثلما
يقول الشذى للريح: لُّمي تفرُّقي

وتهمس عنه لثغةُ الحُلْمِ مثلما،
إلى الطلِّ يُومي الوردُ: قَبِّلْ تفتُّقي

تشعُّ بعينيه بكارة حبهِ
ويُغري شموخُ القلب فيه تعلُّقي

أكاد اُسميه وينبو عن اسمه
يلوح «كصَعْديٍّ» ويحكي كَمعْبقي

يصوصي كهنديٍّ يؤدي شعيرةً
يغيم كغانيٍّ، ويصحو كجلَّقي

عليه جبينٌ مثل فعلٍ مضارعٍ
عليه قميصٌ كالهجاء الفرزدقي

ومِن حُبِّه قالوا: تزوَّجَ أمَّهُ
أأدعوه منذ الآن «أوديبْ» مشرقي

بودِّي أسمّيهِ، وأعيا لأنهُ
يجافي تقاليدي، فأطوي تَحَذْلُقي

***

تلاوينُ مرآهُ تروغُ أَمامَهُ
إذا اختار ورديّاً تلقّاه فُسْتُقي

وإن شام «بكريَّاً» تحوّل «تَغْلَباً»
وإن «شمَّ» صوفياً دنا منه «بيهقي»

***

أتختار لي هذي المرايا وجوهَها
وتبتزُ وجهي، غيرُ هذا تألُّقي

لماذا أرى والوقتُ يلبس رؤيتي؟
وأبحث عن نطقي، ويهذي بمنطقي

***

أيا مَن تَسمَّى الوقت: مِن أين جئتني؟
وهل أنت إلا دفقةٌ مِن تدفُّقي؟

وهل كنتَ في نسغي قُبيل تفتُّحي؟
وهل أنتَ مِن بعد التفتُّح مُغْلقي؟

صعدتُ بلا وقتٍ وقلبي على يدي
كتابٌ، وهذا وجهك الآن رَونقي

لأني حقيقيٌ فأنت مُغايري
لأني زمانٌ أنت صنعي ومِئْزقي

إذن لست مني، إنما منك أقتني
مَشمّاً لإبراقي ولوناً لبيرقي

قميصاً غداة العيد يكشف جِدَّتي
قناعاً يواري عن جفوني تمزُّقي

***

على أي حالٍ جئتُ أختطُّ وجْهتي
فيا هذه الأرض استقرّي أو اقلقي

محوت وصايا «العم» قولي لـ«عمتي»
:«على غيرنا يا أمَّ عَمْرٍ تشدَّقي»

ومِن غير تاريخ الأبوّةِ وابنها
أتيت فليني يا ذرى أو تَبَنْدَقي «1»

تعرّيتُ للأمطار والنار والمُدى
وهذا التعرّي- يا متاريس - خَندقي

أمامي طريقٌ لا يؤدي، وهاهنا
طريقٌ أراهُ لا يُريني تحقُّقي

وهذا طريقٌ ماله أيُّ نَكْهةٍ
وهذا له شَمٌّ ولكن تخلُّقي

وهذا له وجهٌ عن الجيد مُبْعدٌ
وهذا طفيلٌّي مُحيّاهُ غَلْفقي

وهذا كسَيفٍ «عَوْلقيٍّ» يلوح لي
وهذا كسَيفٍ يدّعي شكل «عولقي»

وهذا طريق مِن طريقين، هل أرى
طريقاً له قلبٌ ينادي تطرُّقي؟

***

أَأَنْشَقُّ بين السهل والصعب يا خُطى؟
أتجتاز شبراً واحداً يا تشقُّقي؟

أرى ألف نهجٍ، سوف أختار واحداً
لأني وحيدٌ، فانتخبْ يا تشوّقي

***

ومِن أين يا شتّى الممراتِ يبتدي؟
أجيبيهِ يا شتى الأعاصير واصْدقي

أتوصينهُ يجري على جَرْي وقتهِ؟
لقد جاء عكسَ الوقتِ، كُفّي وأطرقي

أيفنى ربيعٌ في مدى شوطِ ساعةٍ
ليُدعى زمانَ القحطِ، ريّانَ زنبقي

***

لقد جاء هذا يا ليالي لتُشمسي
ويا أرضُ كي ترمي السُّعال وتعشقي

أليس له وجهٌ وحيدٌ وموقفٌ
كنسغ الدّوالي؟ سوف يُدعى تسلُّقي

ولو جاء قبل اليوم سمّاهُ «عاصمٌ»
كفوراً، وأمسى عند «توماس» هَرْطقي

ولو شاهَدتْ «صنعا» فرادةَ وجههِ
لسمَّته «روميّاً» ولو كان «مَفْحقي»

ولو مرَّ من «تكْساسَ» قالت بأنهُ
«لوممبا» وقالت «مونتكرلو»: تَزَنْدُقي

يريد لكي يحيا غباءً مطوَّراً
ووجهاً تجارياً، ووجهاً تملُّقي

***

أيسقط بين البدء والبدء؟ يبتغي
وثُوُباً على حشد النقيضَين يرتقي

يروم ابتداع المستحيل فتنثني
إليه غَثاثاتُ الزمان«الخُوَرْنَقي»

***

أيصبح وقتاً ثالثاً، أين يلتجي؟
إلى غير وقتٍ، أيَّ موْتيه ينتقي؟

أيرضى الذي يلقى؟ وهل عنه مرجعٌ
أيُفني شقاءَ الظل أم أصلَهُ الشقي

***

وهل جاء يمحو الوقت أو فيه ينمحي؟
وهل جاء يطوي الجَدْبَ أو منه يستقي؟

أيرجو الذي يخشى، ويخشى الذي رجا؟
فيلقى الذي يُردي كذاك الذي يقي

أجاء يوشّي باسمه وجهَ عكسِهِ
لماذا أتى، هذا السؤال الذي بقي«*»

1985

«1» تبندقي: أي احملي البندقية.

«*» وردت في القصيدة أسامي منسوبة إلى أماكن وكائنات وأشياء يمكن توضيح نسبتها:

معبقي: منسوب إلى معبق، وهي من مناطق تعز.

صعْدي: نسبة إلى صعدة التي تقع شمال اليمن.

غلفقي: نسبة إلى غلفق وهو الطحلب الكثيف.

عولقي: نسبة إلى العوالق في الشطر الجنوبي من اليمن.

مفحقي: نسبة إلى مفحق مركز منطقة الحيمة من لواء صنعاء.

خورنقي: نسبة إلى قصر النعمان بن المنذر المعروف بالخورنق والذي نشأت عنه حكاية سنمّار الشهيرة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4- قبائل تشترك مع الزرانيق في الأرض و التاريخ و المعتقد و الفلكلور و العادات و التقاليد و ارتضت الانضواء في الاتحاد الكونفدرالي " الزرانيق " لأغراض الحماية و المكاسب الاقتصادية